أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس استقالتها من المنصب الذي مكثت فيه 45 يوما فقط، وأرجعت قرارها إلى عدم تمكنها من تنفيذ برنامجها الاقتصادي، وباتت تراس صاحبة أقصر مدة انتداب في تاريخ بريطانيا بمنصب رئيس الوزراء.
وقالت تراس في بيان استقالتها، الذي تلته أمام مقر رئاسة الوزراء بداونينج ستريت، إنها "تقلدت المنصب في وقت اشتداد الأزمة الاقتصادية وغياب الاستقرار على الساحة الدولية".
وأضافت "بالنظر إلى الوضع الراهن، وإلى أنني لم أستطع الوفاء بالتزاماتي التي انتخبت لأجلها، تحدثت إلى جلالة الملك تشارلز الثالث لإبلاغه باستقالتي من منصبي كزعيمة لحزب المحافظين، موضحة أنها باقية في ممارسة مهامها حتى الأسبوع المقبل، حيث ستكون هناك انتخابات لاختيار زعيم جديد للمحافظين.
هل يعود "جونسون"؟
ومن المتوقع إجراء اقتراع واستكمال انتخابات القيادة بحزب المحافظين بحلول يوم الجمعة 28 أكتوبر، وذلك استباقا للبيان المالي المقرر 31 أكتوبر الجاري.
وسط توقعات بعودة زعيم المحافظين السابق بوريس جونسون، كما يتداول اسم المرشح السابق وزير المالية المستقيل ريشي سوناك.
يُذكر أن الاستراتيجية الاقتصادية التي طرحها سوناك خلال الحملة الانتخابية للظفر بزعامة المحافظين والتي اقترح أن تكون الأولوية لمواجهة التضخم قبل تخفيض الضرائب، هي الاستراتيجية ذاتها التي عارضتها تراس بشدة قبل فوزها في السباق، وهي نفسها التي دافعت عنها لاحقا عندما تبناها مستشارها الجديد جيرمي هانت والذي عينته بدلا من صديقها كواسي كوارتنغ في محاولة أخيرة لإنقاذ الاقتصاد، وإنقاذ منصبها ومستقبل الحزب السياسي.
إلا أن تعيين هانت جاء بعد فوات الأوان، حيث إن الأسواق كانت غارقة في التخبط والتضخم، إضافة إلى افتقار الحكومة إلى أي خطط لمواجهة فواتير الطاقة المرتفعة وأزمة غلاء المعيشة التي غاب الحديث عنها خلال الأسابيع الماضية واختفت عن جدول أعمال الحكومة، وكانت تراس مشغولة خلال الأسابيع الماضية بلملمة الخسائر وبإجراء تعديلات كبيرة على رؤيتها الاقتصادية والسياسية، ما دفع مؤيديها قبل معارضيها لتوجيه الانتقادات لعجزها عن تلبية ما يرنو إليه الناخبون، والتقلب في وعودها ومواقفها.
يُذكر أيضا أن البلاد تعيش ما يشبه الفراغ السياسي منذ أكثر من ثلاثة أشهر، حيث استغرق السباق إلى زعامة الحزب بعد استقالة بوريس جونسون، ما يقارب الشهرين، ثم تعطلت أعمال الحكومة والبرلمان بسبب وفاة الملكة إليزابيث الثانية بعد أيام قليلة على فوز ليز تراس ودخول البلاد في حداد رسمي شل الحياة تماما، وما إن بدأت تراس مهامها فعليا، حتى ظهرت التداعيات الاقتصادية والسياسية والحزبية ما عطل عمل الحكومة والخطط التي وعدت بها في حملتها الانتخابية، بينما يترقب ملايين الناخبين قدوم الشتاء وصعود فواتير الطاقة إلى مستويات مرهقة وغلاء المعيشة وتردي القطاع الصحي والخدمات العامة وارتفاع معدل الضريبة والفائدة والتضخم.
وكان الأسبوع الماضي حاسما بالنسبة إلى تراس وسط أزمة اقتصادية عاصفة، حيث اتهمت منذ الأسبوعين الأولين من وصولها إلى "داونينغ ستريت" بعدم الالتزام بالاستراتيجية الاقتصادية التي وعدت بها خلال حملتها الانتخابية، ما تسبب بارتفاع معدل التضخم، وهبوط قيمة العملة المحلية إلى مستويات قياسية.
ماذا عن المستبدين؟
وتقدم استقالة "تراس" جرس إنذار للمستبدين والحكام الذين تخلوا عن مبادئهم وقيم الديمقراطية واحترام شعوبهم، وفي مقدمتهم رئيس الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي، الذي سبق و قدم عدة وعود للمصريين منذ انقلابه العسكري، طالبا منهم الصبر مدة 6 شهور و"بكر تشوفوا مصر" ومع استمرار الفشل الاقتصادي على كافة المستويات عاد وطالب المصريين بوعد آخر "اصبروا سنتين وسوف ترون العجب العجاب" ثم طالبهم بعد ذلك بالصبر وسوف يرون مصر تانية في 30 يونيو 2020، ثم تزايدت المعاناة على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية وانهارت العملة المصرية لمستويات غير مسبوقة في تاريخ البلاد، ووصل سعر الجنيه أمام الدولار إلى 21.6 مع توقعات المؤسسات الدولية وصولا إلى 24.6 خلال الأيام المقبلة، كما تجاوزت الديون حد الأمان وباتت مصر على شفا الإفلاس، وزادت نسب التصخم وارتفاع أسعار كل شيء بنسب تتجاوز 300% وهو ما تبعه انتحار المصريين وتفشي الجرائم والكوارث الاجتماعية، وانتشرت ظاهرة بيع الأطفال والأبناء لأجل لقمة العيش، وأغلقت أكثر من 5 آلالاف مصنع، وبيعت أصول الدولة المصرية للأجانب ولمن يدفع، وباتت مصر معروضة للبيع بالقطعة في كل مزادات العالم، مثل الآثار التي يجري تهريبها ليل نهار من المطارات والمعابر الرسمية والأرصفة الحربية بالموانئ وغير ذلك الكثير ، ورغم ذلك لم يستقل السيسي ولم يفكر في الاعتذار للشعب كما فعلت تراس، وذلك ما يكرس استمرار الاستبداد والاستعباد في عموم مصر، التي باتت تدار بقوة الدبابة لا قوة الحجة والمنطق أو البرامج ، بل باتت مصالح توزع وتقتطع لصالح كبار الفسدة ولواءات العسكر وأبناء السيسي.
