تقارير مضللة.. لماذا تسعى “إسرائيل” إلى توريط الفلسطينيين في أوكرانيا؟

- ‎فيعربي ودولي

تشهد العلاقات الروسية الصهيونية أسوأ مراحلها منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، بسبب انتقادات تل أبيب للحرب في أوكرانيا، ودعمها لكييف بالأسلحة والمقاتلين حسب وسائل إعلامية روسية، فيما لم تجد موسكو في المقابل أي حرج من إغلاق مقر الوكالة اليهودية فيها تحت مسمى ارتكاب انتهاكات إدارية.

يضاف إلى هذا التوقيت إعادة إثارة الكرملين ملف كنيسة ألكسندر الواقعة في البلدة القديمة للقدس، وطلبها تسجيل ملكية أرض مجمع الكنيسة الذي يعتبر مقر البعثة الكنسية الأرثوذكسية الروسية.

وبقي سجل ملكيتها يعود لروسيا إلى أن تغير الوضع مع احتلال إسرائيل المدينة المقدسة في عام 1967، حيث لا تزال المحكمة المركزية في إسرائيل ترفض الطلب.

 

استفراد واشنطن بالملف

بدأت موسكو بدأت قبل الحرب في أوكرانيا بسنين بمحاولات لمنع استفراد واشنطن بملف القضية الفلسطينية، واهتمت بالحفاظ على علاقاتها مع السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، ولكن الأبرز كان فتحها قنوات اتصال مباشرة مع الفصائل "المثيرة للجدل" وفق مراقبين غربيين، خاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي اللتين ترفض موسكو تصنيفهما حركتين إرهابيتين.

وتزامن الانفتاح الروسي على هذه الفصائل بعد أن كانت موسكو تعطي الأولوية للعمل الجماعي في التسوية بين الفلسطينيين والصهاينة من خلال "اللجنة الرباعية الشرق أوسطية"، وهي الآلية التي بدأت منذ عام 2002 بممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة الأميركية، قبل أن يصل قطار المفاوضات عبر هذه الآلية إلى طريق مسدود.

ولم تكن زيارة وفد حركة "حماس" بقيادة رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية إلى موسكو، هي الأولى، ولا يبدو أنّها ستكون الأخيرة، لكنّ هذه الزيارة بالتحديد، تأتي في توقيت إقليمي ودولي دقيق، في أعقاب تراجع الدفء في العلاقة بين موسكو وتل أبيب، على خلفية ملفات عدّة.

المعلومات تكشف أنّ زيارة وفد "حماس" تأجّلت أكثر من مرة بطلب من موسكو، التي كانت تترقّب الموقف الصهيوني من الحرب الأوكرانية فيما يبدو.

لكن هذا الموقف بقي رمادياً في مراحله الأولى، ثمّ مع الوقت بدأ يتحوّل شيئاً فشيئاً، ويميل لصالح الولايات المتحدة، وهذا ما دفع بوزارة الخارجية الروسية إلى استقبال وفد "حماس"، متخطية بذلك حكومة اليمين الصهيونية والسلطة الفلسطينية، وتبعات "اتفاقية أوسلو" المجمّدة بفعل الأمر الواقع وبفعل التصلّب الأمريكي.

كانت الحركة كانت من بين المرحّبين الأوائل بالحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا. وفي حينه، اعتبرت الحركة أنّ الحملة الروسية هي "بداية لنهاية الهيمنة الأمريكية" على العالم، و"تأسيس لعالم متعددة الأقطاب"، وذلك بحسب مسؤول العلاقات الدولية في الحركة موسى أبو مرزوق، الذي سبق له أن زار موسكو خلال شهر مايو الماضي، وأكد من هناك أنّ هذه الحرب تدشن مرحلة جديدة أمام الشعوب المظلومة للتحرّر من استغلال النظام العالمي القديم، وأن ذلك سيكون انعكاسه "أفضل على الشعب الفلسطيني".

واليوم يحاول كيان العدو الصهيوني توريط الفلسطينيين بالملف الأوكراني من خلال دسّ الأخبار والأضاليل، فيسعى إلى ذلك من خلال الإعلام لكن من دون جدوى.

 

رقم مضحك

آخر هذه المحاولات التقرير الحصري الذي نشره موقع "ميديا لاين" الأمريكي وكشف ما اعتبره معلومات مصدرها جهات أمنية لبنانية، وتفيد بتجنيد شبان فلسطينيين للقتال في أوكرانيا إلى جانب الجيش الروسي، مقابل 350 دولارا أمريكي شهرياً!

التقرير ادعى أن مجموعة من نحو 300 مقاتل فلسطيني من بين المقيمين في لبنان، تسجلت للانضمام إلى الحرب في أوكرانيا من أجل القتال إلى جانب الروس، وأنّ جهود التجنيد يقوم بها ناشطون مرتبطون بالسفارة الفلسطينية في لبنان، كاشفاً في الوقت نفسه أنّ معظم المجندين هم من مواليد عام 1969، باعتبار أنّ هؤلاء يحملون أوراقاً ثبوتية صادرة عن السلطات اللبنانية، ويمكن لهم التنقل خارج البلاد بموجب جوازات سفر مخصصة للفلسطينيين.

فلسطينيون مقربون من حركة "فتح"، اعتبروا أنّ هذه المعلومات تأتي في إطار تشويه سمعة الفلسطينيين وتصويرهم على أنهم "مرتزقة". كما أنّ الصحفي الفلسطيني المتخصص في الشؤون الفلسطينية والمقيم في لبنان، أنيس محسن، يقول بعد اطلاعه على هذا التقرير إنّه "مضلّل" لأنّ معلومات كثيرة وردت فيه غابت تفاصيلها عن كاتبه.

في إطار دحض تلك الادعاءات، يكشف محسن أن ما يحصل عليه فلسطينيو حركتي "فتح" و"حماس" من رواتب نظامية في لبنان، أكثر مما ادعاه الصحفي الإسرائيلي بكثير. وبالتالي فإن رقم 350 دولارا الهزيل الذي تحدث عنه هو رقم "مضحك".

ويضيف محسن: "هناك رواتب لمقاتلين من ذوي الرتب العسكرية الرفيعة تصل إلى نحو 3000 دولار بينما الأقل رتبة يحصل على 1000 دولار، كما أنّ مقاتلي الجبهة الشعبية يحصلون على رواتب بالليرة اللبنانية لكن بما يعادلها بالدولار.. فهل يُعقل أن يذهبوا للقتال في أوكرانيا بـ350 دولار؟".

أمّا الجانب الروسي، فيعتبر أنّ انتشار معلومات كاذبة من هذا النوع، يهدف إلى تشويه سمعة روسيا بين دول الشرق الأوسط، وإثارة التوترات بين شعوبها، خصوصاً بعد التقارب الذي أظهرته الكثير من الدول العربية مع روسيا، ووقوفها على الحياد منذ بداية الحرب.