نعى علماء الأمتين العربية والإسلامية الشيخ المجاهد محمد الطاهرآيت عجلت الذي وُري الثرى، ظهر الأربعاء، بمقبرة بني مسوس بالعاصمة بحضور جمع غفير من المشيعين، شاركهم الوزير الأول للدولة أيمن بن عبد الرحمن وعدة وزراء.
وقال مستشار وزارة الأوقاف السابق د. محمد الصغير في عزائه: "إنا لله وإنا إليه راجعون ، توفي عالم الجزائر وبركتُها ومُسنِدُها، سيدي العلامة المجاهد محمد الطاهر آيت علجت رحمه الله".
وأضاف عبر @drassagheer "انتهت مسيرة قرنٍ وسبع سنوات كانت كلها قرآنا وعلما، وجهادا ضد الاحتلال الفرنسي، وبناء لمستبقل لجزائر الاستقلال، مات من كانت القلوب والأفئدة معلقة به، مات من كانت له يدٌ بيضاء نقيــة على طلبة العلم والعلماء، اللهم ارحمه برحمتك الواسعة وتقبله في العلماء العاملين".
وشهدت الجنازة مشاركة الآلاف ممن درسوا وتتلمذوا على يد فقيد الجزائر، قادمين من كل حدب وصوب ليشيعوا الشيخ إلى مثواه الأخير.
وأعلنت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف عن تشييع جنازة العلامة محمد الطاهر آيت عجلت، ظهر الأربعاء، في ساحة مقبرة عيسات إيدير ببني مسوس بالجزائر.
وبرحيل العلامة البالغ 106 أعوام، مساء الثلاثاء، تكون الجزائر قد فقدت أحد أبرز علمائها، الذي شغل منصبي رئيس اللجنة الوطنية للفتوى ورئيس لجنة الأهلة والمواقيت الشرعية.
وتقدم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عبر صفحته على "فيسبوك" بتعزية الجزائر والأمة الإسلامية في فقيدهم، كما عزز ذلك عزاء قدمته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مقدمين العزاء للأمة والجزائر والعائلة الكريمة.
وقال طلابه: إن "الشيخ محمد الطاهر آيت علجت، أفنى عمره الطويل العريض في التعلم والتعليم، وله أياد بيضاء في الجهاد أثناء الثورة الجزائرية المجيدة".
ولبث رحمه الله في العناية المركزة في قسم الإنعاش بمصلحة القلب بمستشفى مصطفى باشا بالجزائر، بعد تدهور حالته الصحية.
وقال الأكاديمي محمد الزعيطي: "خالص تعازينا نبرقها من أرض الكنانة مصر الحبيبة لشعب الجزائر الحبيب والأمة الإسلامية وكافة الشعوب العربية".
وأضاف "الحديث عن شخص العلامة الجليل محمد الطاهر آيت علجت كمثل الاغتراف من ماء البحر، فلا يمكن للقلم أن يخط مسيرته في الدعوة إلى الله، لقد بلغ الشيخ آيت علجت من الكبر عتيّا، عمر أفناه في محاريب العلم والدعوة إلى الله، مئة وسبع سنوات كانت زاخرة بالعلم والأدب والجهاد ضد الاحتلال الفرنسي ، فخيركم من طال عمرُه وحسُن عمله".
أما العلامة الليبي د.علي الصلابي فقدم تعزية مماثلة لما سبق من تعازي، معزيا أبناءه وأقرباءه وطلبته في مصابهم الكبير، وإنا لله وإنا إليه راجعون.".
ووصف الشيخ بأنه "العلامة الفقيه اللغوي، المولود بقرية ثاموقرة ببني عيدل سنة 1917م. مضيفا أنه حفظ القرآن الكريم بمسقط رأسه وبزاوية جدّه الشيخ يحي العيدلي ـ رحمه الله تعالى ـ وبها تلقى المبادئ الأولى لعلوم الأدب واللغة العربية على يد شيخه العلامة السعيد اليجري ـ رحمه الله تعالى ".
وأضاف أنه "رحل إلى زاوية الشيخ بلحملاوي بالعثمانية ـ قرب قسنطينة ـ حيث أتمّ هناك دراسته الشرعية، من فقه ولغة ونحو وعلوم أخرى كثيرة مثل الرياضيات والتاريخ والجغرافية والفلك وغيرها.
علامات من حياته
وفي نقاط لفت الصلابي إلى أبرز محطات مر بها الشيخ آيت (ابن أو بنو بلغة البربر) عجلت:
ـ بعد تمكنه تصدر للتعليم والتدريس والإفتاء في زاوية ثاموقرة، وهذا قبل الحرب العالمية الثانية، فأحدث نهضة علمية إلى غاية 1956هـ.
ـ أنشأ نظاما خاصا بزاويته، شبيها بنظم المعاهد الإسلامية الكبرى، فكان تلامذته يلتحقون بالزيتونة بزاد من العلم والأدب يشرف زاويتهم والقائم عليها.
ـ شارك في ثورة التحرير، هو وسائر طلبة الزاوية الذين التحقوا كلهم بركب المجاهدين بعد أن هدمت فرنسا زاويتهم سنة 1956م.
ـ سافر إلى تونس في أواخر سنة 57م بإشارة من العقيد عميروش الذي كان الشيخ يتولى منصب الإفتاء في كتيبة جيشه، كما كان يتولى فصل الخصومات.
ـ ومن تونس سافر إلى طرابلس الغرب بليبيا ، حيث عين عضوا في مكتب جبهة التحرير هناك.
ـ بعد الاستقلال وفي سنة 1963م عاد إلى وطنه الأول، وعيّن أستاذا بثانوية عقبة بن نافع بالجزائر العاصمة و ثانوية عمارة رشيد ببن عكنون إلى أن أحيل على التقاعد سنة 1978م.
ـ ثم وبطلب من وزارة الشؤون الدينية، عاد إلى نشاطه المسجدي، ليمارس دروس الوعظ والإرشاد بمسجد حيدرة وغيره من المساجد.
ـ تخرج على يديه جملة من الطلبة المتمكنين، ومازال عطاؤه غير مجذوذ، فهو إلى فترة متأخرة من عمره كان يعقد دروسا في الفقه والنحو وفن القراءات وغيرها من العلوم الشرعية بمسجد بوزيعة مكان إقامته.
ـ يعد الشيخ من الأعضاء البارزين ومن المؤسسين لرابطة الدعوة الإسلامية بالجزائر.
ـ له مؤلفات في فنون كثيرة، كما كتب أخيرا مذكرات تروي تاريخه وتاريخ الثورة الجزائرية، وتقييمه للأحداث ومواقفه عبر مسيرته الرائدة.
فهو منهج في التغيير، وإن قل مردوده في الحال، فإن نتائجه مضبوطة نوعا ما في المستقبل، وعلى ضوء هذه النتائج، يعول في بناء الصروح.
فهو بهذا الاعتبار مرحلة مباركة من العمل، لا منهجا متبعا في أصول الدعوة وفقه التغيير، وبتعبير أدق هو من المتغيرات في تصور العمل الإسلامي لا من الثوابت، يقوم على دعائم، أهمها عنصر الزمن، إذ أن أي عمل لا يراعى فيه اعتباره، فإن مآله حتما سيكون إما شللا في الحركة أو تساقطا على الطريق، وكلاهما مر.
وأضاف الصلابي عما قاله الشيخ عن نفسه:
الانطلاقة الأولى:
التحق الشيخ بزاوية قريته التي ولد بها، وهي زاوية مشهورة بثاموقرة ولاية بجاية، فحفظ بها القرآن وأتقنه على يد الشيخ السعيد اليجري ـ رحمه الله ـ والذي كان الشيخ ابن باديس يلقبه بالشيخ المفكر، كما أخذ عنه الأجرومية والألفية في النحو، والرسالة و المختصر في الفقه، وأخد عنه علم الحساب والفلك والبلاغة، وغيرها من الفنون، مكث بهذه الزاوية أزيد من خمس سنوات.
زاوية بلحملاوي:
بهذه الزاوية تلقى الشيخ تعليمه الثانوي، و بها تعرف على الشيخ العوادي و على المشايخ الذين أخذ عنهم من أمثال، الشيخ مصباح الحويدق، والشيخ محمود القريبع، والشيخ سعيد حناشي، والشيخ أحمد بن شليحة من مدينة بسكرة خريج القرويين، وغيرهم من المشايخ الذين استقدمهم صاحب الزاوية، من الزيتونة و غيرها، بقصد رفع مستوى التعليم في زاويته، فكانت الكفاءة العلمية تفوق مدرسة الشيخ ابن باديس رحمه الله.
مكث الشيخ بهذه الزاوية مدة 3 سنوات، حيث التحق بها وعمره 16 سنة.
أمّا عن توقيت البرنامج ومحتواه فقال عنه: "تبتدأ الدروس فيها على الساعة السابعة صباحا وإلى غاية الساعة 12، وفي المساء من الساعة الثانية إلى غاية الساعة الخامسة، فكان برنامجها مكثفا ومتنوعا، فهي حقا فرع للزيتونة، و يدرس فيها كل العلوم التي تدرس في الزيتونة، حيث كان الطلبة متفرغون للطلب فقط، يعد الشيخ علجت من أبرز رجال الدين والفقه في الجزائر، وقد خلف العديد من المؤلفات من بينها كتاب على شكل مذكرات يروي سيرته الذاتية وتاريخ الثورة الجزائرية".
أسأل الله أن يرحمه ويتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وأن يصبر أهله وأحبابه وتلامذته والأمة على فراقه، وأن يعوضنا في مصابنا خيرا ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
