دعت منظمة العفو الدولية قائد عصابة الانقلاب في مصر ، عبد الفتاح السيسى ، أمس الثلاثاء، إلى وقف محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وذلك قبيل صدور حكم متوقع في 12 فبراير الحالي، بحق خمسة صيادين اعتُقلوا أثناء عملهم في بحيرة البردويل الواقعة شمال سيناء، والتي تخضع لإدارة جهاز تنموي تحت إشراف وزارة الدفاع.
وأكدت في بيان مشترك لها مع مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان ، أنه في 7 يناير ، ألقى عناصر من الشرطة العسكرية، التابعة لجهاز “مستقبل مصر للتنمية المستدامة”، القبض على الصيادين الخمسة بتهمة الصيد خلال “فترات محظورة” ودخول منطقة عسكرية بدون إذن. ويعود السبب في خضوع البحيرة للولاية القضائية العسكرية إلى مرسوم رئاسي صدر عام 2019 عن “المنقلب “عبد الفتاح السيسي، رغم أنها تُعد مصدر رزق لحوالي 3,500 صياد.
يُحاكم الصيادون بموجب قانون حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية رقم 146 لسنة 2021، الذي يحدد عقوبات تصل إلى السجن سنتين وغرامات تتراوح بين 10,000 و100,000 جنيه مصري لمن يخالف قرارات جهاز “حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية”، المسؤول عن تحديد أماكن وفترات حظر الصيد.
وأفاد أحد المحامين بأن جلسات المحاكمة شابتها انتهاكات لضمانات المحاكمة العادلة، حيث رفضت المحكمة استجواب شهود الادعاء، كما عُقدت جلستان يومي 5 و6 فبراير دون حضور المتهمين. ويُحتجز الصيادون حالياً في معسكر قوات الأمن المركزي بالإسماعيلية، وهو منشأة غير معترف بها رسميًا كمركز احتجاز.
وأكدت نائبة مديرة المكتب الإقليمي لمنظمة العفو الدولية، سارة حشاش، أنّ المحاكم العسكرية في مصر “تتمتع بتاريخ حافل بإصدار إدانات جائرة، بما في ذلك أحكام الإعدام”، وطالبت بإجراء إصلاح شامل يمنع المحاكم العسكرية من محاكمة المدنيين. وبحسب البيان، يواجه الصيادون، الذين هم في العشرينيات من العمر، محاكمتين عسكريتين منفصلتين، وأشارت المنظمتان إلى أنهما اطلعتا على تقارير الاعتقال ولوائح الاتهام، وتحدثتا مع محامٍ حضر جلسات المحاكمة، إضافة إلى مسؤولين في الجهة المشرفة على البحيرة وأفراد من عائلات المعتقلين.
ووصف المدير التنفيذي لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، أحمد سالم، المحاكمة بأنها “انتهاك جسيم لحقوق الإنسان”، مؤكداً أن “من المؤسف أن يواجه صيادو السمك محاكمات عسكرية لمجرد ممارسة مهنتهم”، ودعا السلطات إلى إسقاط التهم والإفراج الفوري عنهم، مشدداً على ضرورة محاكمتهم، إن لزم الأمر، أمام محاكم مدنية مستقلة تضمن لهم محاكمة عادلة.
في عام 2022، أصدر السفاح السيسي مرسوماً بإنشاء جهاز “حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية”، الذي أوكلت إليه الحكومة عدة مشروعات كبرى، منها تطوير بحيرة البردويل. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أعلنت الحكومة عن بدء أعمال تطويرية في البحيرة تهدف إلى تحقيق “تنمية اقتصادية”، ما أثار تساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذا الاستحواذ.
ووفقاً للمنظمتين، فإن “المحاكم العسكرية للمدنيين تفتقر إلى معايير العدالة، حيث يُعيَّن قضاتها ووكلاء النيابة من أفراد الجيش، ولا يخضعون للتدريب القانوني اللازم”، كما أن القرارات الصادرة عنها لا يمكن الطعن عليها إلا أمام محاكم عسكرية أخرى، ويجب أن يصادق عليها رئيس الانقلاب .
وأشارت منظمة العفو الدولية ومؤسسة سيناء لحقوق الإنسان إلى أنه في 28 يناير 2024، وافق البرلمان المصري على تعديلات جديدة للقانون رقم 25 لسنة 1966 بشأن القضاء العسكري، مما زاد من توسيع نطاق اختصاص المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين. وشملت هذه التعديلات جرائم تتعلق بالمرافق العامة والحيوية والممتلكات العامة وما في حكمها، والتي تحظى بحماية القوات المسلحة. ولم تُنشر المصادقات الرئاسية على هذه التعديلات في الجريدة الرسمية.
وتزامنت هذه التعديلات مع إصدار القانون رقم 3 لسنة 2024، الذي وقّع عليه السيسي في 5 فبراير/ شباط 2024، حيث منح المحاكم العسكرية صلاحيات أوسع لمحاكمة المدنيين في جرائم تتجاوز ما ورد في التعديلات البرلمانية السابقة على قانون القضاء العسكري. كما يتيح القانون الجديد للقوات المسلحة مساندة الشرطة في حماية المرافق والخدمات العامة، إضافةً إلى محاكمة مرتكبي الجرائم التي تُهدد الاحتياجات الأساسية للمجتمع، بما في ذلك السلع الغذائية والمنتجات الضرورية.
وفي ختام بيانهما المشترك، استعرضت منظمة العفو الدولية ومؤسسة سيناء لحقوق الإنسان سجل مصر في محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، مشيرتين إلى أنه في ديسمبر/ كانون الأول 2024، أصدرت محكمة عسكرية أحكاماً بالسجن تتراوح بين ثلاث وعشر سنوات بحق 62 شخصاً من سكان محافظة شمال سيناء، بتهم تتعلق بتخريب مركبات عسكرية واستخدام القوة ضد موظفين حكوميين. جاءت هذه المحاكمات عقب احتجاج نظّمه بعض سكان مدينة الشيخ زويد في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، طالبت السلطات بفضّه بالقوة، مما أسفر عن اعتقالات واسعة. وفي 24 ديسمبر/كانون الأول 2024، أصدر
الرئيس عبد الفتاح السيسي عفوًا رئاسيًا عن 54 منهم.
كما أشارت المنظمتان إلى أن القوات المسلحة المصرية وقوات الأمن نفذت عمليات عسكرية على مدى أكثر من عقد ضد جماعات مسلحة في شمال سيناء. ورغم إعلان السيسي في إبريل/ نيسان 2023 انتهاء العمليات العسكرية، لا تزال المنطقة تخضع لسيطرة عسكرية فعلية، وسط تعتيم إعلامي صارم. فمنذ سنوات، مُنعت وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان والمراقبون المستقلون من الوصول إلى المنطقة. كما ساهمت عدة مراسيم رئاسية، مثل المرسوم رقم 444 لسنة 2014 والمرسوم رقم 420 لسنة 2021، في توسيع الاختصاص القضائي العسكري ليشمل مساحات واسعة من شمال سيناء، مما زاد من عسكرة المنطقة وقيّد نقل الأخبار المستقلة.