يهدد اتجاه حكومة الانقلاب لبيع المستشفيات الحكومية للقطاع الخاص خضوعا لإملاءات صندوق النقد الدولى بالغاء العلاج المجانى أو ما يسمى بالعلاج على نفقة الدولة مما يؤدي إلى حرمان أكثر من 40 مليون مصرى – لا يغطيهم التأمين الصحي – من العلاج .
وفى هذا السياق تسببت حكومة الانقلاب فى أزمة جديدة بمستشفى هرمل لعلاج الأورام (دار السلام سابقًا)، بعد توقيع اتفاقية مع شركة “إليفات برايفت أكويتي” بالشراكة مع المركز الفرنسي للأورام “جوستاف روسيه الدولي”، لنقل إدارة المستشفى للقطاع الخاص وهو ما أثار قلقًا كبيرًا بين المرضى الذين فوجئوا بعدم السماح لهم بدخول المستشفى.
هذه الاتفاقية التى تكشف عن تناقض وتخبط في سياسات وزارة صحة الانقلاب، تشير إلى وجود مأزق يتخطى قطاع الصحة ليكون بمثابة مأزق وطن بأكمله.
وكانت الجريدة الرسمية قد نشرت في 20 مارس الماضي قرار مجلس وزراء الانقلاب بمنح التزام إدارة وتشغيل وتطوير مستشفى دار السلام للأورام المعروف باسم “الهرمل” إلى شركة “إليفات برايفت أكويتي”، بالشراكة مع المركز القومي الفرنسي للأورام “جوستاف روسيه الدولي”. وبموجب هذا القرار، تحوّل المستشفى إلى فرع تابع للمركز الفرنسي، تحت اسم “جوستاف روسي الدولي – مصر” .
مرحلة انتقالية
فى هذا السياق كشف مسئول سابق في مستشفى دار السلام للأورام، عن أن شكاوى مرضى السرطان المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ترتبط بمرحلة انتقالية يمر بها المستشفى، نتيجة الاتفاق الموقع بين وزارة صحة الانقلاب ومعهد جوستاف روسيه الفرنسي.
وقال المسئول إن هذه المرحلة تتطلب إعادة هيكلة شاملة، بموجبها غادر معظم أفراد الطاقم الطبي المستشفى، وعادوا إلى الأمانة العامة للمجالس الطبية المتخصصة، ليُعاد توزيعهم على مستشفيات حكومية أخرى، على أن يتبقى فقط نحو 25% من الطاقم سيتم تدريبهم لاحقًا على بروتوكولات العلاج الفرنسية المعتمدة داخل المعهد، كما سيتم الاستعانة بكوادر طبية جديدة من خارج المستشفى.
وأرجع توقف استقبال حالات جديدة من الأطفال المصابين بالسرطان، وكذلك من مرضى التأمين الصحي، إلى كون المستشفى يمر بمرحلة انتقالية تقتضي إعادة هيكلة إدارية وفنية. .
تطفيش المرضى
فى المقابل قال محمود فؤاد، رئيس المركز المصري للحق في الدواء، ان قانون التزام المنشآت العامة رقم 87 لسنة 2024، يسمح بطرح المستشفيات أمام القطاع الخاص ليقوم بتشغيلها لمدة 15 سنة، وبدأت حكومة الانقلاب في تلك الخطة بمستشفى مبرة المعادي، ثم مركز أورام دار السلام (هرمل).
وأكد فؤاد فى تصريحات صحفية أن المرضى فوجئوا قبل أيام، بعدم السماح بدخولهم إلى المستشفى، وإدخال 50 شخصا فقط دفعة واحدة، مما أدى لتكدس المرضى ومرافقيهم بالخارج، بشكل عطّل حركة المرور، مما أدى للاستعانة بقوة من قسم شرطة مصر القديمة.
وأشار إلى أن بعض الحالات قيل لهم اذهبوا إلى معهد الأورام أو مستشفى سرطان الأطفال 57357، مؤكدا أن المرضى لاحظوا أسلوب معاملة طارد في المستشفى بعد انتقال إدارته للقطاع الخاص، كي تنخفض أعداد حالات العلاج على نفقة الدولة ويفسحوا المجال أمام الحالات الجديدة التي ستتلقى العلاج في القسم الاقتصادي وفقًا لأسعار جديدة تحددها الشركة التي تدير المستشفى.
وأعرب فؤاد عن أسفه حيث إن هذا التضييق يأتى في وقتٍ يواجه فيه قطاع العلاج على نفقة الدولة مشكلات تتعلق بعدم تجديد قرار العلاج لحالات السرطان الانتشاري وبعض الأمراض النادرة، في حين تبني حكومة الانقلاب المستشفيات من أموال دافعي الضرائب لمنحها للقطاع الخاص .
شركة مشبوهة
وانتقد عدم الكشف عن تفاصيل العقد الموقَّع بين وزارة صحة الانقلاب وشركة إليفات برايفت أكويتي، التي ليست لها سابقة أعمال في القطاع الصحي، مؤكدا أن العديد من الأطباء والتمريض في مركز دار السلام للأورام، أنهوا ارتباطهم أو دفعتهم الإدارة الجديدة لذلك، لأنها تريد فقط 25% من العمالة الموجودة بالمستشفى، وفقًا للعقد الموقع بينها وبين صحة الانقلاب التي يفترض بها توزيع بقية الطاقم الطبي على مستشفيات أخرى .
وتساءل فؤاد عن سبب عدم توقيع العقد بين صحة الانقلاب والمعهد الفرنسي “جوستاف روسيه” بشكل مباشر، معتبرا أن وجود الشركة كوسيط بينهما، يهدف إلى منحها أرباحًا نظير إدارة المستشفى، رغم أنها كانت تدير جامعة نيو جيزة وتسببت إدارتها في مشكلات كثيرة.
ولفت فؤاد إلى أن حكومة الانقلاب تتجه إلى خفض الإنفاق على الصحة في إطار خضوعا لإملاءات صندوق النقد الدولي، محذرا من أن تفريطها في المستشفيات الحكومية لصالح القطاع الخاص يمثل خطرًا كبيرًا يهدد الأمن القومي وحق المواطن في الصحة لاسيما أن هناك نحو 40 مليون مواطن لا يغطيهم التأمين الصحي.
مأزق وطن
وأكد الدكتور علاء غنام، مسئول وحدة الحق في الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن مرضى الأورام السرطانية محقون في شكاواهم ومخاوفهم المتعلقة بالتغييرات التي طرأت على إدارة مستشفى دار السلام للأورام (هرمل)، باعتبار أن الاتفاقية التي وقعتها وزارة صحة الانقلاب التي انتقلت بموجبها تبعية المستشفى إلى معهد جوستاف روسيه الفرنسي، من شأنها التأثير على الخدمات العلاجية المقدمة للمرضى الذين ينتمون بالأساس إلى طبقات اجتماعية فقيرة، ولا يستطيعون توفير نفقات علاج مرض السرطان، المرتفعة للغاية.
واعتبر غنام فى تصريحات صحفية ما حدث بمثابة خصخصة للمستشفى الحكومي الذي أنفقت دولة العسكر مبالغ طائلة من أموال الشعب على عملية تطويره، منتقدًا عدم الكشف عن بنود الاتفاقية الموقعة لمعرفة مدى الاستفادة التي ستعود على مرضى المستشفى نتيجة انتقال إدارتها إلى إدارة أجنبية.
وقال ان بروتوكولات علاج مرض السرطان معروفة في العالم كله، ومصر متطورة في علاج الأورام ولديها كفاءات طبية، متسائلًا عن سبب استعانة حكومة الانقلاب بخبرات وكوادر أجنبية في الوقت الذي تشجع فيه على تصدير الكفاءات الطبية المصرية للخارج .
وشدد غنام على أن هذا التناقض والتخبط في سياسات وزارة صحة الانقلاب، يشير إلى وجود مأزق يتخطى قطاع الصحة ليكون بمثابة مأزق وطن بأكمله.