في خطوة جديدة تكرّس نمط ابتزاز المستثمرين الناجحين في مصر، أعلنت حكومة الانقلاب إعادة تشغيل عدد من سلاسل الغذاء والحلويات التابعة لعلامة "بلبن" التجارية، بعد أن اضطرت الشركة لسداد مبلغ ضخم بلغ 140 مليون جنيه نحو 2.745 مليون دولار) إلى مصلحة الضرائب تحت حساب الضريبة المستحقة، فضلاً عن تعهدات إضافية بالامتثال المستقبلي لكل الشروط.
إغلاق مفاجئ بدعوى "مخالفات صحية"
بدأت الأزمة حينما قررت لجنة مشتركة من هيئة سلامة الغذاء ووزارة الصحة وهيئة التنمية الصناعية إغلاق 110 فرعاً تابعا لـ"بلبن" والعلامات المرتبطة بها ("كرم الشام"، "بهيج"، "وهمي"، "عم شلتت"، و"كنافة وبسبوسة") في مختلف المحافظات المصرية، بحجة "رصد مخالفات صحية".
ورغم أن اللجنة أقرت لاحقاً بأن معظم المخالفات تم تلافيها سريعاً، إلا أن إعادة فتح الفروع كان مشروطاً بسداد مبالغ ضخمة للخزانة العامة، بما يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية للإغلاق المؤقت.
خلفيات الأزمة: من السعودية إلى مصر
تزامن التحرك ضد "بلبن" في مصر مع إغلاق فروعها مؤقتاً في السعودية بدعوى مخالفات صحية، في مارس/آذار الماضي، رغم إعلان السلطات السعودية أن إعادة الافتتاح مشروطة بإجراءات بسيطة، ما يجعل التوقيت المشبوه للإغلاق في مصر محل شك.
المراقبون يرون أن ما جرى هو استغلال للأزمة الخارجية كذريعة للضغط على الشركة المصرية الناشئة التي حققت نجاحاً سريعاً خلال أربع سنوات فقط، وسط بيئة استثمارية خانقة تخضع لإملاءات أجهزة الدولة.
سيناريو متكرر مع رجال أعمال آخرين
ما تعرضت له "بلبن" ليس سوى حلقة جديدة ضمن سلسلة من الانتهاكات التي طالت رجال أعمال بارزين في السنوات الأخيرة:
صفوان ثابت، مؤسس شركة "جهينة" الرائدة في صناعة الألبان والعصائر، اعتُقل مع نجله سيف عام 2021، وأُفرج عنهما لاحقاً بعد أن أجبرا على التخلي عن جزء من ملكيتهما للشركة لصالح جهات سيادية.
رجب السويركي، مالك سلسلة "التوحيد والنور"، تعرض أيضاً لملاحقات أمنية ومالية انتهت بوضع يده قسراً على جزء من ممتلكاته.
سابقاً، شهدت مصر إغلاق شركات توظيف الأموال الكبرى مثل "الريان" و"السعد" تحت ذرائع مشابهة، ما أدى إلى تفكيك إمبراطوريات اقتصادية خاصة كانت تهدد هيمنة النظام الاقتصادي الرسمي.
الابتزاز المنظم تحت ستار "سلامة الغذاء"
رغم ادعاءات حكومة الانقلاب أن الحملة هدفها "ضمان سلامة الغذاء وحماية صحة المواطنين"، إلا أن نمط التحرك — بدءاً من الإغلاق الفوري دون إنذار مسبق، مروراً بالمماطلة في إعادة الفتح، وصولاً إلى ربط استئناف النشاط بسداد مبالغ مالية ضخمة — يؤكد أن المسألة تتعلق بتعظيم جباية الدولة على حساب القطاع الخاص، خصوصاً مع الضغوط المالية الشديدة التي يواجهها نظام السيسي بعد تعثر الاقتصاد وتآكل الاحتياطي النقدي.
إرضاء السلطة مقابل البقاء
في بيان صادر عنها، شكرت شركة "بلبن" الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزير الصناعة كامل الوزير، معتبرة أن الأزمة كانت "اختباراً حقيقياً للصمود"، في تعبير عما يشبه إعلان الولاء الرسمي مقابل السماح لها بالاستمرار في العمل.
وقد عقد اجتماع مع مسؤولي سلامة الغذاء والتصنيع، اشترطوا خلاله استكمال كافة المعايير الصحية، وتوثيق بيانات المصانع والعناوين وأرقام الهواتف على المنتجات، وإجراء تدريب صحي شامل للعاملين، قبل السماح بإعادة تشغيل 15 فرعاً رئيسياً بالقاهرة والجيزة، وخمسة فروع بالإسكندرية، وعدة أفرع أخرى لباقي العلامات المرتبطة بـ"بلبن".
أزمة المستثمرين في مصر تتعمق
تسلط واقعة "بلبن" الضوء مجدداً على البيئة الاستثمارية المسمومة التي يعيشها رجال الأعمال في مصر، حيث أصبح النجاح التجاري مدعاةً للاستهداف بدلاً من التشجيع.
وبينما تتزايد الشكاوى من رجال أعمال محليين ومستثمرين أجانب إزاء تغول الدولة وأجهزتها في الاقتصاد، تتزايد أيضاً مطالبات المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي بضرورة تقليص دور الدولة والجيش في الاقتصاد وفتح المجال للقطاع الخاص بشكل حقيقي، وهي مطالب لم تجد صدى حقيقياً لدى النظام المصري حتى الآن.