في خطوة جديدة تعزز هيمنة الإمارات على الموانئ والمناطق اللوجستية المصرية، برعاية المنقلب السيسي وقّعت الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس اتفاقية مع مجموعة موانئ أبوظبي، تمنح الأخيرة حق الانتفاع بمنطقة صناعية ولوجستية بمساحة 20 كيلومترًا مربعًا بشرق بورسعيد، لمدة 50 عامًا قابلة للتجديد، الاتفاق الذي وُصف رسميًا بأنه خطوة تنموية، يراه مراقبون تفريطًا خطيرًا في أصول مصر السيادية ومقدراتها الاستراتيجية.
شروط الصفقة: هيمنة كاملة ونسبة رمزية لمصر
تمنح الاتفاقية مجموعة موانئ أبوظبي الإماراتية صلاحيات المطور الصناعي، مع التزامها بتمويل البنية التحتية الداخلية للمنطقة، وهي تكلفة تتراوح بين مليار وملياري دولار بحسب التصريحات الرسمية، في المقابل، ستحصل مصر على نسبة لا تتجاوز 15% فقط من إيرادات المشروع، بينما تتولى الشركة الإماراتية وحدها التحكم الكامل في تشغيل المنطقة وتوقيع عقود المستثمرين، مستفيدة من الحوافز الضريبية والجمركية التي تقدمها الدولة المصرية.
ورغم محاولة الحكومة تصوير المشروع باعتباره فرصة استثمارية كبرى، يرى محللون أن الاتفاق يُعيد إلى الأذهان نموذج "امتياز قناة السويس" في القرن التاسع عشر، حين تنازلت مصر عن مواردها السيادية لصالح الأجانب لعقود طويلة انتهت بالاحتلال.
خريطة النفوذ الإماراتي في موانئ مصر
ولا تُعد هذه الصفقة سابقة فريدة، بل تأتي في سياق سلسلة استحواذات إماراتية على الموانئ المصرية خلال العقد الأخير، حيث باتت مجموعة موانئ أبوظبي (AD Ports) أحد أبرز اللاعبين المسيطرين على قطاع النقل البحري واللوجستي في مصر.
ميناء العين السخنة: حصلت موانئ دبي العالمية (شركة شقيقة لموانئ أبوظبي) على حق تشغيله منذ عام 2008، وسط انتقادات لضعف العائد المحقق للدولة المصرية.
ميناء سفاجا الصناعي: شهد اتفاقًا سابقًا بين الحكومة المصرية ومجموعة أبوظبي القابضة لتطوير وتشغيل الميناء.
موانئ الإسكندرية والدخيلة: أُعلن عن اهتمام إماراتي بتشغيل بعض الأرصفة فيهما ضمن استراتيجية "التكامل بين الموانئ الإماراتية والمصرية".
مطار سفنكس وميناء أبو قير: شملتهما مفاوضات مبدئية لاستثمارات خليجية موسعة في البنية التحتية، وفق مصادر رسمية.
"استعمار اقتصادي ناعم": خبراء يحذرون من فقدان السيطرة
ويحذر خبراء اقتصاديون من أن تحويل الموانئ المصرية إلى مناطق نفوذ خليجية يُعرض الأمن القومي الاقتصادي للخطر، ويقيد خيارات التنمية المستقلة. وقال ممدوح الولي، نقيب الصحفيين الأسبق والخبير الاقتصادي: إن "التوسع الإماراتي في الموانئ المصرية يخلق احتكارًا مزدوجًا، اقتصاديًا عبر التحكم في حركة السلع والتجارة، واستراتيجيًا بتهديد استقلال القرار السيادي للدولة".
أما الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق، المعتقل بسجون الانقلاب فقد اعتبر في تصريحات سابقة أن "مثل هذه الاتفاقيات تُمنح بلا شفافية أو مراجعة برلمانية، ما يجعلها أقرب إلى التنازل عن أصول عامة لصالح أطراف أجنبية في غياب أي دراسة جدوى وطنية".
قلق دولي متصاعد من تغلغل الإمارات في موانئ الدول النامية
وتأتي هذه التطورات في ظل تصاعد الجدل الدولي بشأن الدور الإماراتي المتنامي في السيطرة على موانئ القرن الأفريقي وشمال أفريقيا، حيث تسيطر أبوظبي على موانئ في جيبوتي، والصومال، والسودان، واليمن، بالإضافة إلى تحالفات استراتيجية مع موانئ إسرائيلية.
وفي هذا السياق، قال أحد مسؤولي شركة شحن أوروبية، لموقع "العربي الجديد": إن "التركيز الإماراتي على السيطرة على سلسلة الموانئ من قناة السويس إلى البحر الأحمر يعزز موقعها كمُراقب غير رسمي لحركة التجارة في الإقليم، ويفرض نفوذًا يتجاوز دور المستثمر".
الموانئ مقابل البقاء السياسي؟
يرى مراقبون أن إصرار النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي على منح هذه الامتيازات للإمارات وبعض دول الخليج يعود لرغبته في ضمان الدعم المالي والسياسي من هذه الدول، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة يمر بها البلد، وضغوط متزايدة من صندوق النقد الدولي لتقليص دور الدولة في الاقتصاد.
لكن، في مقابل هذه المكاسب القصيرة الأمد، تفقد مصر السيطرة على شرايينها البحرية لعقود طويلة، في اتفاقات لا يمكن التراجع عنها دون كُلفة سياسية واقتصادية هائلة.
