“إسرائيل” تبتز مصر بالغاز: من مُصدّر إلى مستورد تحت ضغط العجز و عودة انقطاع الكهرباء

- ‎فيتقارير

 

في مشهد يعكس مدى التفريط المصري في ثروات الغاز بشرق المتوسط، ويفضح هشاشة استراتيجية الطاقة في زمن المنقلب السفيه السيسي، تواجه القاهرة أزمة متفاقمة بعد أن تحولت من بلد مصدر للغاز إلى مستورد رئيسي من الكيان الصهيوني، الذي لم يتردد في استغلال الموقف لابتزاز مصر سياسيًا واقتصاديًا.

فقد كشفت تقارير حديثة عن تعثر مشروع خط "نيتسانا" الاستراتيجي لنقل الغاز الإسرائيلي إلى مصر، والذي كان من المقرر تشغيله في 2025، ليتم تأجيله إلى 2028، بسبب خلافات بين شركاء حقلي "تمار" و"ليفياثان" من جهة، وهيئة الغاز الطبيعي الإسرائيلية من جهة أخرى، حول تقاسم الكميات والتكاليف. هذا التأخير يُنذر بتفاقم أزمة الغاز في مصر، في وقت تشهد فيه البلاد انقطاعات متكررة للكهرباء بسبب نقص الإمدادات.

مصر تحت رحمة الغاز الإسرائيلي

وبينما كانت مصر تروّج لنفسها باعتبارها مركزاً إقليمياً للطاقة، باتت تعتمد الآن بشكل خطير على الغاز الإسرائيلي، الذي تُشكّل وارداته نحو 40% إلى 60% من مجمل الغاز المستهلك محلياً، وبلغت صادرات إسرائيل لمصر في الربع الأول من 2025 نحو مليار قدم مكعبة يومياً، مع خطط لزيادتها إلى 1.6 مليار قدم مكعبة يومياً بنهاية العام، لكن هذه الخطط الآن مجمدة بسبب تعثر مشروع نيتسانا.

المشروع الذي تبلغ سعته المستهدفة 600 مليون قدم مكعبة يومياً، كان يُفترض أن يشكل شرياناً إضافياً لإمداد مصر بالغاز الأرخص نسبياً من السوق العالمي، لكنه بات ورقة ضغط في يد تل أبيب. فإسرائيل تسعى الآن لإعادة التفاوض على الأسعار، ورفعها من أقل من 6 دولارات إلى مستويات أعلى، مستغلةً حاجة مصر الماسة للغاز، خاصة في موسم الذروة الصيفي.

أزمة انقطاع الكهرباء تعود مع الصيف

تزامناً مع تعثر مشروع نيتسانا، تعيش مصر أزمة طاقة خانقة، تهدد بعودة انقطاعات الكهرباء على نطاق واسع خلال الصيف، وأفادت مصادر لوكالة رويترز أن القاهرة دخلت في مفاوضات عاجلة لاستيراد ما بين 40 إلى 60 شحنة غاز مسال، بتكلفة تصل إلى 3 مليارات دولار، في محاولة لتأمين الحد الأدنى من احتياجات الكهرباء، علماً أن تكلفة الغاز المُسال في السوق العالمي تتجاوز 13 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية، مقارنة بنحو 6 دولارات للغاز الإسرائيلي، ما يمثل ضغطاً هائلاً على الموازنة وشح الدولار.

وفي ظل هذا الوضع، أعلنت وزارة البترول في 26 مايو/أيار أن وحدة التخزين العائمة "إنرغوس باور" وصلت من ألمانيا إلى مصر، في إطار استئجار أربع وحدات لإعادة التغويز، لم يصل منها سوى اثنتين حتى الآن.

من مركز إقليمي إلى مستورد عاجز

ما كان يُروَّج له على أنه "تحول استراتيجي لمصر إلى مركز إقليمي للطاقة" بات اليوم مجرد دعاية سياسية تتناقض مع الواقع، إذ تشير بيانات "ستاندرد آند بورز" إلى أن مصر اشترت فعلاً 1.84 مليون طن من الغاز المسال خلال 2024، في حين شهد شهر فبراير أدنى مستوى لإنتاج الغاز المحلي منذ تسع سنوات، ما أجبر البلاد على التخلي عن طموحات تصدير الغاز لأوروبا.

 

في المقابل، يسعى الاحتلال الإسرائيلي لتكريس نفسه كمصدر رئيسي للطاقة في شرق المتوسط، مستغلاً ثروات الحقول البحرية مثل ليفياثان وتمار، والتي كانت مصر قادرة على الاستفادة منها لو مارست سيادتها وحقوقها في المنطقة الاقتصادية الخالصة بصلابة، بدلاً من التنازل عنها في اتفاقيات حدود بحرية مثيرة للجدل.

إسرائيل تبتز… ومصر تُذعن

مصادر في قطاع الطاقة أكدت لرويترز أن إسرائيل تمارس ضغوطاً لزيادة صادراتها من الغاز لمصر بنسبة 25%، في ظل ارتفاع الطلب وتراجع الإنتاج المصري، كما أبدى الشركاء الإسرائيليون رغبتهم في رفع الأسعار، معتمدين على غياب البدائل السريعة أمام القاهرة، وتراجع قدرة الحكومة على جذب استثمارات جديدة أو رفع إنتاج الحقول القائمة في وقت قصير.

في ظل هذه الأزمة، تتجه مصر لتفعيل مشروعات ربط مع ليبيا والجزائر، ومفاوضات مع قطر وأرامكو وشركات غربية، لكن نتائج هذه المحاولات لا تزال غير مؤكدة. وفي كل الأحوال، فإن العودة إلى وضع "المستورد الصافي" تمثل انتكاسة كبيرة، وتضع الحكومة في موقف ضعيف أمام شركات الطاقة العالمية، وسط عجز نقدي متصاعد.

سؤال للسلطة: من فرّط في الغاز؟

بينما يواجه المواطن المصري انقطاع الكهرباء وارتفاع فاتورة الطاقة، يطرح السؤال نفسه بقوة: من المسؤول عن تحويل مصر من بلد مصدر إلى بلد مستورد؟ ولماذا فرّطت السلطة في ثروات المتوسط لصالح تل أبيب، التي باتت تتحكم الآن في صنبور الطاقة المصري؟ وهل كان ذلك نتيجة سوء إدارة أم اتفاقات سياسية مشبوهة تفتقر إلى الشفافية والمصلحة الوطنية؟

الإجابة تحملها صيفيات مظلمة ومليارات تُنفق على استيراد ما كان يوماً في متناول اليد.