عادت حكومة الانقلاب إلى سياسة الطوارئ في قطاع الكهرباء، بإجراءات تقشفية صارمة تشمل تخفيض الإنارة في الشوارع والميادين، وفرض قيود على ساعات العمل في المحال والأسواق، في وقت تكشف فيه هذه الأزمة عن هشاشة ربط الأمن الطاقويّ بتحالفات خارجية، أبرزها مع إسرائيل.
الإجراءات الحكومية، التي بدأ تنفيذها اليوم الإثنين مع انتهاء عطلة عيد الأضحى، جاءت بعد توقف شبه كامل لإمدادات الغاز الإسرائيلي إثر اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران، ما وضع القاهرة في موقف حرج، رغم تأكيدات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قبل أيام فقط بعدم المساس بخطة الكهرباء خلال صيف 2025.
أزمة مصطنعة مقابل أزمة مُستدرَجة
هذه الأزمة، رغم تعقيداتها الجيوسياسية، تعيد إلى الأذهان أزمة الكهرباء التي شهدتها مصر إبان حكم الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي عام 2013، حينها، كانت انقطاعات الكهرباء تستخدم كأداة ضغط سياسي، وسط اتهامات موثقة بتورط ما يُعرف بـ"الدولة العميقة" في افتعال الأزمة، عبر تخفيض كميات الوقود المُخصصة لمحطات التوليد، وتعطيل شبكات التوزيع، في محاولة لإثارة السخط الشعبي ضد أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً.
أما اليوم، فالأزمة لا تُفتعل داخلياً، لكنها وليدة "خيار سياسي" حيث تعمّدت فيه سلطة الانقلاب بقيادة الخائن السيسي ربط مصير الكهرباء بإسرائيل، من خلال اتفاقات استيراد الغاز التي جرى الترويج لها كـ"صفقات إنجاز"، رغم تحذيرات الخبراء من هشاشتها أمام أي اضطراب إقليمي، ومع بدء الحرب، انقطع الغاز، ووجدت الحكومة نفسها في سباق مع الوقت، تبحث في السوق الفورية عن شحنات مازوت تتجاوز قيمتها مليار دولار لتشغيل المحطات.
ترشيد قسري… وخوف من تكرار سيناريوهات العتمة
الحكومة عمّمت توجيهات لخفض إنارة الشوارع بنسبة 60%، وإغلاق المحال عند الحادية عشرة مساءً، ومنع تشغيل المكيفات والأجهزة الكهربائية بعد نهاية الدوام الرسمي في المؤسسات الحكومية، كما طالت الإجراءات لوحات الإعلانات، والمساجد، وحتى المحال نهارًا.
يأتي هذا الترشيد الإجباري في ظل توقعات بارتفاع استهلاك الكهرباء إلى 38 غيغاوات يومياً حتى نهاية أغسطس، أي بزيادة 25% عن معدلات الشتاء، وسط عجز يومي يصل إلى 45% في الغاز، بعد تراجع إنتاج حقل ظهر بنسبة 60% عن أرقامه في 2021.
معضلة في القرار الطاقويّ
ورغم أن الحكومة تتعامل مع الأزمة بمزيج من الترقب والاستجابة الارتجالية، إلا أن المشهد يفتح الباب لمساءلة أكبر: كيف سمحت الدولة لنفسها بربط أمنها الطاقويّ بمصدر خارجي غير مستقر، مثل الغاز الإسرائيلي؟ وأين ذهبت وعود تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز التي كررتها الجهات الرسمية خلال السنوات الماضية؟
المفارقة أن المصانع الكبرى، مثل الحديد والأسمدة، بدأت بالفعل تعاني من تقليص إمدادات الغاز، بينما جرى توجيه الكميات المتاحة إلى المنازل والمخابز ومحطات التوليد، وفي الخلفية، تلوح مخاوف من مزيد من الانقطاعات، مثلما حدث في صيفي 2023 و2024، حين استمر انقطاع الكهرباء من ساعتين إلى ثلاث ساعات يومياً في مناطق مختلفة.
من يتحمل المسؤولية؟
فيما تتجه الأنظار إلى تطورات الحرب في المنطقة، يبقى السؤال الداخلي الأكثر إلحاحاً: كيف تفشل الدولة للمرة الثالثة في غضون خمس سنوات في تأمين صيف بلا انقطاعات؟ وإذا كانت أزمة 2013 وليدة مؤامرة من الداخل، فأزمة 2025 تبدو نتيجة مباشرة لرهانات استراتيجية خاطئة، دفعت بالكهرباء إلى فوهة صراع إقليمي، فهل من مراجعة؟