في مشهد جديد يكرّس واقع الاحتلال العسكري داخل مصر، نشرت الجريدة الرسمية أمس قرارًا لرئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي، يقضي بنزع ملكية مساحات واسعة من أراضي وعقارات حي منتزه ثانٍ بالإسكندرية، تشمل أجزاء من منطقة طوسون تحت ذريعة تنفيذ «طريق دائري» ومحطة كهرباء «السكاكين»، ضمن ما تسميه الحكومة «تطوير منطقة شرق أبو قير».
احتلال عسكرى
لكن خلف هذا الغطاء البيروقراطي المعتاد، تتكشف الحقيقة: سلطة العسكر تمارس سلوك سلطة احتلال داخلي، لا يختلف كثيرًا عما تفعله إسرائيل في الضفة وغزة، حيث تُهدم المنازل وتُنزع الملكيات بدعاوى «الصالح العام»، بينما الهدف الحقيقي هو مشروعات البيزنس العسكري التي تُحوِّل كل شبر من أرض مصر إلى سلعة للبيع والتربّح، كما حدث من قبل في تيران وصنافير، وجزيرة الوراق، ورأس الحكمة، ورأس محمد، ومرسى مطروح، وصولًا إلى عقارات وسط البلد التي بيعت بقرارات فوقية، بلا شفافية ولا رقابة.
ووفقًا للقرار المنشور في 19 أكتوبر الحالي، فقد قدرت الحكومة إجمالي التعويضات عن نزع الملكية بمليار و262 مليون جنيه تُدفع لأصحاب 596 قطعة أرض وعقار، أي بمتوسط تعويض لا يتجاوز مليوني جنيه عن كل عقار، بينما تتولى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة تنفيذ المشروع وصرف التعويضات — أي أن الجهة المنفذة، والمستفيدة، والحَكَم، هي جهة واحدة: الجيش.
اعتراض رسمي
محمد رمضان، محامي عدد من أهالي طوسون، قال فى تصريحات صحفية إنه يعتزم تقديم اعتراض رسمي على القرار خلال 30 يومًا، باعتبار أن الجهة المستفيدة هي وزارة النقل، تمهيدًا للطعن القضائي لاحقًا. لكن مثل هذه الإجراءات القانونية تبقى رمزية في ظل منظومة لا تعرف إلا لغة القوة، إذ لم تُمهل السلطات الأهالي فرصة للاحتجاج، بعدما علّقوا لافتات على منازلهم كتبوا عليها «لن نترك منازلنا» — سرعان ما أُزيلت بمعرفة الشرطة، التي اعتقلت أحد الأهالي، عبد الله محمد، وأحالته إلى نيابة أمن الدولة.
وحوكم عبد الله بتهم جاهزة من دفتر النيابة السياسية: الانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، وتمويل جماعة إرهابية، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ليبقى قيد الحبس الاحتياطي منذ أكثر من شهر، كما أكد محاميه إسلام سلامة.
بهذا القرار، تواصل سلطة الانقلاب توسيع دائرة «نزع الملكية»، التي تحولت من استثناء قانوني للصالح العام إلى أداة منهجية لانتزاع الأرض من أصحابها لصالح إمبراطورية اقتصادية عسكرية، تستحوذ على كل ما له قيمة في البلاد، بلا محاسبة ولا رقابة.
فمصر اليوم لم تعد تحت حكم دولة، بل تحت إدارة احتلال داخلي يرتدي بزّة الجيش، يرفع شعار التنمية، ويهدم باسمها ما تبقّى من وطن.
