في استمرار لنهج الجباية وتحصيل الأموال بأي وسيلة ممكنة، فجّر قرار جهاز تنظيم الاتصالات التابع لنظام المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي أزمة جديدة في سوق الهواتف المحمولة بمصر، بعد أن أقدم على قطع الخدمة عن مئات الآلاف من هواتف المصريين، بدعوى أنها «غير مسجلة» أو «واردات من الخارج»، رغم أن غالبيتها تم تسجيلها قانونيًا وسُددت عنها الرسوم الجمركية المستحقة.
هذه الخطوة العشوائية، التي جاءت بعد تسجيل أكثر من 1.3 مليون هاتف دفعة واحدة قبل مطلع 2025، أربكت السوق وأضرت بالمستهلكين والتجار معًا، وأثارت موجة غضب عارمة، خاصة مع ابتزاز المواطنين بمطالبات مالية جديدة تحت مسمى «رسوم جمركية إضافية» وصلت في بعض الحالات إلى 12 ألف جنيه للهاتف الواحد.
محامون تقدموا بدعاوى أمام القضاء ضد الجهاز، متهمين إياه بـ«القطع العشوائي للخدمات الهاتفية» وسرقة أموال المصريين عبر غرامات غير قانونية. وأكدت أحكام قضائية صدرت بالفعل أن قرارات الجهاز باطلة، وأمرت بإعادة تشغيل الخطوط دون رسوم إضافية.
في المقابل، تجار وموزعو الهواتف يعيشون حالة من الرعب بعد أن طالتهم اتهامات «التهرب الضريبي» بسبب أخطاء في نظام التسجيل الحكومي، رغم أنهم ملتزمون بسداد الضرائب، مما أدى إلى حبس العشرات وإغلاق محلات وتراجع المبيعات إلى أدنى مستوياتها.
وقال محمد هداية الحداد، نائب رئيس شعبة المحمول بالغرفة التجارية، إن تطبيق "تليفوني" الذي تديره شركة "نترا" التابعة للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات مليء بالأخطاء الفنية التي تسببت في خسائر فادحة للتجار، مؤكدًا أن «الدولة تطبق قرارات بأثر رجعي دون أي اعتبار للمتضررين»، مشيرًا إلى أن استمرار هذا الوضع يهدد بانهيار مئات الشركات الصغيرة والمتوسطة في قطاع الاتصالات.
الحداد طالب بوضع نظام رقمي شفاف لتتبع عمليات تسجيل الهواتف وتحديد الموظفين المسئولين عن الأخطاء، مؤكدًا أن الحكومة تتجاهل صرخات المتضررين بينما تواصل جباية الأموال تحت غطاء «تنظيم السوق».
ويرى خبراء الاتصالات أن جوهر الأزمة يعود إلى فرض رسوم جمركية بلغت 37.5% على الهواتف منذ يناير 2025، في وقت تكدست فيه الأجهزة لدى التجار والمستهلكين، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار محليًا بمعدلات تفوق قيمتها الحقيقية عالميًا. وبحسب تقديرات الشعبة، تصل الضرائب الفعلية على الهاتف الواحد إلى نحو 48% من قيمته بعد إضافة رسوم متنوعة، ما حول سوق المحمول في مصر إلى ساحة احتكار لصالح كبار المستوردين المقربين من النظام.
تؤكد وزارة المالية أن الإجراءات تستهدف «تحقيق العدالة الضريبية»، بينما يرى المواطنون أنها وسيلة جديدة لجباية الأموال في بلد يعيش فيه 70% من السكان تحت خط الفقر الفعلي، ويدفع فيه المواطن ثمن كل شيء مضاعفًا من فاتورة الكهرباء إلى ثمن بطاقة شحن الهاتف.
ويكشف هذا الملف عن نمط ممنهج من التنكيل بالمصريين، حيث لا يترك النظام مجالًا إلا وفرض فيه ضريبة أو غرامة أو رسومًا جديدة، حتى على أبسط وسائل التواصل والاتصال، لتتحول حياة الناس إلى سلسلة متواصلة من «الجباية الرسمية» تحت شعار «تنظيم السوق» و«تحقيق العدالة».
وبينما يغرق المواطن في الأزمات اليومية ويصارع الغلاء، تواصل أجهزة السيسي مطاردة جيوبه، من رسوم المرور والكهرباء وحتى هاتفه المحمول، في نظام لا يعرف سوى لغة التحصيل مهما كانت معاناة الشعب.
