فتحت وفاة د. زغلول النجار من جديد قضية "الإعجاز العلمي في القرآن" بين عدة فرق، فريق علماني يحذر من أن ربط القرآن بالعلم يجعله تابعًا لمتغيرات العلم، مما يزعزع الإيمان عند تغير النظريات، وهم بالأساس يملكون نظرة قاصرة تجاه القرآن الكريم فيعتبرونه كتاب هداية وليس كتاب علوم طبيعية فضلا عن أن يكون دستورا يحكم حياة البشر.
فريق العلمانيين معروف في مصر ويعتقد أن د. زغلول النجار بالغ في طرحه، وأحيانًا وقع في مبالغات أو ادعاءات غير دقيقة (وهذا بطبيع الحال) إلا أن هذا البعض عبر عن زيغ في الرؤية بعدما ربط ذلك بانتقادات سياسية بمسألة (ارتباطه بالإخوان ورابعة) أو سخر من مواقفه (مثل موضوع الحجاب والسرطان أو بول الإبل) وهي مستقاة من أحاديث صحيحة لا حيلة له بها كفضل حبة البركة والطب الشعبي المعتمد عليها إلى الآن في بعض الدول وأتي بنتائج بحسب أربابه.
ويصر هذا الفريق على أن الدكتور زغلول النجار قدم القرآن وكأنه يحتاج لإثبات علمي وجعله تابعًا للعلم بدل أن يكون مرجعية فوقه، مدعين أن العلم بطبيعته متغير، فإذا ربطنا الإيمان بنتائج العلم، يصبح الإيمان نفسه عرضة للاهتزاز مع كل تغيير أو مراجعة علمية.
أما الفريق المؤيد للدكتور زغلول النجار فيرون أن القرآن معجزته في ارتباطه بالعلم والتعلم وأن الإعجاز العلمي ليس سبب الإيمان، بل وسيلة لتجديد اليقين وإثبات صدق كلام الله (العقل) ويستشهد بآيات مثل: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ…". ويعتبر أن الدليل العقلي (العلم) والدليل النقلي (الوحي) يكملان بعضهما البعض معتدين بالقراءتين (كون الله المنظور وكون الله المقروء).
ومن الأمثلة البسيطة "البنان في القرآن يُفهم اليوم من خلال بصمة الإصبع الفريدة لكل إنسان" حتى أن منهم من يرى أن زغلول النجار عالم في سلسلة د. مصطفى محمود وعبدالرزاق نوفل.
وفي نعيه أشار رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين د. علي القره داغي إلى أن شخصية د. زغلول النجار جمعت في 92 عاما الرباط "بين محرابِ العبادةِ ومختبرِ المعرفة، جامعًا بينَ نورِ الوحيِ وضوءِ العقل، وبينَ ميدانِ البحثِ العلميِّ وروحِ الإيمانِ العميق. كان رحمه اللهُ مدرسةً قائمةً بذاتِها، ربّى أجيالًا على أنَّ النظرَ في الكونِ عبادةٌ، وأنَّ كلَّ ذرةٍ فيه تسبّحُ بحمدِ خالقها.".
وأضاف، "الدكتور زغلول النجار هو المتحدّث الأعرق والأدق عن الإعجازِ العلمي، بل كان شاهدًا على أنَّ الإيمانَ لا يُعارضُ العلمَ، بل يُوجّهه نحو غايةٍ أخلاقيةٍ ومعرفيةٍ سامية، تُعيدُ الإنسانَ إلى مقامِ الاستخلافِ الراشد. عرفه الناسُ بعلمه الواسع، ولسانه الذاكر، ووجهه المشرق، وجرأته في الدفاع عن ثوابتِ الإسلام بأسلوبٍ علميٍّ رصينٍ بعيدٍ عن الغلوِّ أو التسطيح. وفي زمنٍ كثر فيه المتكلّمون باسمِ العلمِ والدينِ معًا، كان هو من القلائل الذين جمعوا بينَهما بميزانٍ دقيقٍ من الفقهِ والبصيرة."
حوار إسلام أون لاين والنقد الأولي
نشر في موقع (إسلام أون لاين) قبل الحذف حوار مع د. زغلول النجار بتاريخ 11 أغسطس 2005، وأجراه الصحفي حسام تمام بعنوان "الإعجاز العلمي.. إشكالات المنهج والتطبيق حوار مع د. زغلول النجار".
وأبرز ما جاء في الحوار تفريق د.النجار بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي، موضحا أن التفسير العلمي محاولة بشرية لفهم دلالات الآيات الكونية باستخدام معارف العلم، أما الإعجاز العلمي فهو إظهار أن صياغة القرآن والسنة تحمل معاني تتكشف عبر العصور، بما يتجاوز قدرة البشر.
وأكد في حواره "أن القرآن يحتوي على أكثر من ألف آية كونية، لا يمكن فهمها بشكل صحيح بالاعتماد على اللغة وحدها، بل تحتاج إلى معطيات العلم"، مشددا على أن الإعجاز العلمي ليس إثباتًا لصحة القرآن؛ بل هو وسيلة لإظهار إعجازه المتجدد عبر الزمن.
وأشار إلى أن المنهجية يجب أن تعتمد على حقائق علمية راسخة، لا على النظريات القابلة للتغير، لتجنب ربط النصوص بما قد ينهار لاحقًا.
وأكد أن الاستدلال يجب أن يكون على أساس حقائق علمية ثابتة، مثل قوانين الفيزياء أو الجيولوجيا، وليس على النظريات القابلة للتغير.
واعتبر أن الإعجاز العلمي وسيلة لإقناع غير المسلمين بصدق القرآن، لأنه يقدم لهم لغة مألوفة (العلم) تؤكد أن النص ليس من إنتاج بشر عاش قبل 1400 سنة.
وشدد على أن هذا المنهج لا يهدف إلى "إثبات صحة القرآن"، لأن القرآن ثابت بذاته، بل إلى إظهار إعجازه المتجدد.
وبعض النقاد قالوا إن هذا المنهج يربط القرآن بما هو متغير ورد "النجار": "أن المنهج الصحيح يقتصر على الحقائق العلمية، لا النظريات" موضحا "أن أي خطأ يقع فيه بعض الباحثين لا يعني بطلان المنهج كله، بل يستدعي ضبطًا أكبر".
زملاء وخلفاء
ولد. زغلول النجار زملاء وخلفاء في منهجية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة هم مجموعة من العلماء والدعاة الذين واصلوا نفس الخط، أبرزهم: د.عبد المجيد الزنداني وهو أحد أوائل من أسس فكرة الإعجاز العلمي بشكل مؤسسي وأنشأ الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة في السعودية، وكانت مرجعية لكثير من الباحثين وركز على ربط النصوص القرآنية بالاكتشافات الطبية والكونية.
كما أن الداعية والأستاذ محمد راتب النابلسي، عالم سوري بارز، له محاضرات ودروس كثيرة تربط بين القرآن والعلوم الحديثة ومذاعة عبر قنوات عدة، ويقدّم الإعجاز العلمي في إطار تربوي ودعوي، مع التركيز على الجانب الإيماني أكثر من الجانب الأكاديمي.
وساهم عبد الله المصلح، الأمين العام السابق للهيئة العالمية للإعجاز العلمي بالسعودية في نشر الفكرة عبر مؤتمرات وندوات دولية، وأشرف على مشاريع بحثية في هذا المجال.
وهناك "محمد السقا عيد"، وهو طبيب وباحث مصري، كتب مقالات عديدة في إسلام أون لاين وغيرها، مدافعًا عن الإعجاز العلمي. ركز على الجانب الطبي والبيولوجي في تفسير الآيات.
وهناك الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة (تأسست في السعودية) كانت الحاضنة الأساسية لهذا المنهج، حيث نظمت مؤتمرات، وأصدرت أبحاثًا، ووفرت منصة جماعية للباحثين.
والجامعات الإسلامية (مثل جامعة الإمام محمد بن سعود، وجامعة الأزهر) احتضنت بعض الأبحاث في هذا المجال.
أكاديمي سعودي: زغلول النجار جبل وشانئوه فئران
الأكاديمي السعودي أحمد بن راشد بن سعيّد فند بعض أكاذيب يتبناها إعلام الثورة المضادة ويعتبرون زغلول النجار عدوا لهم لما له من مبادئ وعبر @TheLoveLiberty كتب مقالا بعنوان "الجبل والفأر" مشيرا إلى أن هذه القنوات لم تنزل الرجل منزلته اللائقة "فسّقوه وبدّعوه!".
وعلق على إدعاءات أحد الذباب الالكتروني، موضحا أن "دعائي مكلّف من #الإسلاموفوبيا_السعودية بالطعن في علماء الإسلام ودعاته، اسمه ع. الجديع، عن الدكتور زغلول النجار، عالم الجيولوجيا ورائد الإعجاز العلمي في القرآن والسنّة، الذي تُوفّي، الأحد، في عمّان، ما يلي (بتصرّف اقتضاه الاختصار وحُسن الصياغة):
“توفي زغلول النجار، ولا إشكال في الترحم على موتى المسلمين، لكنّ قوماً جعلوا موته تسويغاً لباطل نشره. كان يحرّف آيات القرآن بزعم تأويلها، ويحملها على المخترعات العصرية، ويستخرج من معانيها ما ليس منها، بل حرّف العلم ليتوافق مع ما يقول. ثمّة من قال إنه عالم قضى عمره في نشر ما يسمّى “الإعجاز العلمي في القرآن”، لكن ما قام به لا يقل خطراً عن عمل الباطنية، فكيف غابت تلك “الاكتشافات" عن الصحابة، أم أنهم عطّلوا دلالات الآيات، أم جهلوا معانيها، أم أن إيمانهم لم يكن مثل إيمان النجار الذي كان يكذب عياناً ويفتي في الدين بغير علم. سنجد الإخوان يرفعون شأنه لأنه منهم، وهم الذين لا يترحمون على كبار العلماء حين يخالفونهم”.
وعلق "أحمد بن راشد" متسائلا: إلامَ يشير هذا التطاول؟ ورد : إلى اتهام الدكتور النجار في دينه وإيمانه، وهو خطاب إقصائي يستبطن التكفير، وقد مرد عليه القوم، لنزع الشرعية عن علماء الدين ودعاته، باسم العقيدة، التي تعني أي شيء إلا عقيدة الحنيفية السمحة.
ما أسباب التطاول؟
أبرزها: الإعجاز العلمي في القرآن والسّنّة الذي قرّرت #السعودية ذات يوم أن تنأى عنه بعد أن كانت تتبنّاه. كانت إلى عهد قريب تحتضن هيئة عالمية خاصّة بالإعجاز العلمي، منضويةً تحت رابطة العالم الإسلامي، لكن الرابطة جمّدت نشاطها قبل بضع سنوات، وأغلقت موقعها http://eajaz.org، ويبدو أنّ الهيئة اتجهت بعد ذلك إلى العمل مع المجلس العالمي للدعوة والإغاثة في مصر.
في أعقاب هذا التطوّر، شرعت منصّات وحسابات سعودية في مهاجمة الإعجاز العلمي، والسخرية من علمائه وباحثيه. قناة #العربية مثلاً شنّت حملة عليه، توّجتها باستضافة خالد منتصر، مصري من تيّارها الإسلاموفوبي، ليتطاول على القرآن، ويصفه بكتاب عادي لا تناسب حقائقه العلمية سوى العصر الذي نزل فيه، زاعماً أنّ ما فيه من إشارات علمية كانت موجودة قبله في الشعر الجاهلي، ساخراً من أحاديث صحيحة كحديث الحبّة السوداء، وحديث بول الإبل، مهاجماً روّاد الإعجاز العلمي، بل مستهزئاً بأستاذ مصري في كليّة الطب وجد في بحث له أن الاعتكاف يساعد على تخفيف الصداع، بحسب الأكاديمي "بن سعيد".
قناة العربية والنجار
وأشار إلى أنه في 22 يوليو 2023، ظهر في موقع “العربية” منشور بعنوان “ترويج الأحاديث الضعيفة”، لشخص إسلاموفوبي اسمه ناصر الحزيمي، يصف فيه الإعجاز العلمي في الحديث النبوي بـ “الهوس الذي أصاب الأمّة بسبب مشروع الإسلام السياسي”، ساخراً من “الطب النبوي”، مكذّباً قول النبي ﷺ الثابت في الصحيحين: “عليكم بهذه الحبّة السوداء، فإنّ فيها شفاءً من كل داء”، زاعماً أن تناولها يتعارض مع أدوية السرطان، لكن ثمّة “ثرثرة غير علمية عند جماعات الصحوة” خلاصتُها أنها من “معجزات النبي”، بحسب تعبيره (ورد اسم النبي ﷺ في المنشور من غير صلاةٍ عليه، فلا أنفَ في الأرض أرغمُ من أنوفهم).
وأضاف، "في أبريل 2024، استغلت “العربية” وفاة الداعية والسياسي المجاهد، الشيخ عبد المجيد الزنداني، لتسخر من أبحاثه في الطب المستوحاة من النبوّة، وقد تجاهل ما يُسمّى “الإعلام” السعودي خبر وفاة الشيخ، بما فيه #العربية و #جريدة_الشرق_الأوسط و#عكاظ.".
ورأى أنه "لا ريب أن القوم، إلى جانب ضيقهم بالإعجاز العلمي في الكتاب والسنّة، ضائقون ذرعاً بتشديد النجّار على حتمية الجهاد لتحرير فلسطين، وتأكيده الربطَ بين #المسجد_الحرام و #المسجد_الأقصى، وغنيٌّ عن القول إنّهم يعادون كلّ ذلك، فهم من يروّج “حلّ الدولتين”، ويردّد: “فلسطين ليست قضيتي”.
الأثر صفر
وعن أثر هذه الإساءة إلى العالم النجار؟ الجواب: ZERO! موضحا أنه "من المسيء حتى ينال من شيخٍ ذرّف على التسعين عاماً، قضاها في العلم والبحث والدعوة؟ شارك في تأسيس قسم الجيولوجيا في جامعات الملك سعود والملك فهد والكويت، درّس في جامعات في السعودية وقطر والكويت ومصر وأميركا وبريطانيا، عمل أستاذاً زائراً في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، كان مستشار التعليم العالي في المعهد العربي للتنمية بمدينة الخبر السعودية، كان مديراً لجامعة الأحقاف في اليمن، ومديراً لمعهد مارك فيلد للدراسات العليا في بريطانيا، ظلّ ربع قرن رئيساً للجنة الإعجاز العلمي في القرآن بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر، كان عضو هيئة التحكيم في جائزة اليابان الدولية للعلوم، أنتج أكثر من 45 كتاباً بالعربية والإنكليزية والفرنسية والألمانية، ونشر أكثر من 150 بحثاً، وأشرف على العشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه، وغير ذلك مما لا يسعه الحصر هنا، ويشهد ببركة هذا الرجل. متسائلا : فمتى كان الفأر ينال من الجبل؟
https://twitter.com/TheLoveLiberty/status/1988434321653326220
ضعف إنجاز الإعجاز العلمي
وفي حوار له مع موقع " إخوان أون لاين " أجاب د. زغلول النجار عن سؤال: كيف تنظر إلى ضعف إنجاز العلماء المسلمين في مجال البحث العلمي، وخاصة في موضوع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة؟
وقال: "..الأمرُ ليس كسلاً من العلماء، فالبحث العلمي أصبح مكلفًا، والاستعمار ضربنا في مقتل؛ حيث مزَّق هذه الأمة إلى خمسين دولة، وحرص على ألا تتحدَّ هذه الأمة من جديد، ومخرجنا مما نحن فيه هو توحد الأمة، ولن تتوحد إلا على الإسلام، وطبعًا مع هذا التمزيق بعثروا إمكانات الأمة، فالقضية الواحدة تبحث في كل الجامعات، وبالتالي نحن نكرر أنفسنا في خطوط قصيرة!!".
وأضاف، "وفي نفس الوقت لم يعد هناك الإمكانية المادية التي تنفق على البحث العلمي في سخاء، فدولة كأمريكا أو أي دولة أوروبية أخرى ميزانية البحث العلمي عندها تفوق ما لدى الدول العربية مجتمعة بآلاف المرات!!.".
وأشار إلى اتجاه من أصحاب المنهجية إلى "وضع منهج في المَجمع العلمي للإعجاز، يدرس فيه الإعجاز العلمي في القرآن، لنكِّون فيه من الشباب مَن يستطيع حمل الراية، فأغلب المشتغلين فيه من كبار السن، فإذا انقضى أجل هؤلاء، فسيتوقف هذا العلم لفترة طويلة، فمع هذا التحدي الكبير الذي يواجه الأمة أتمنى أن نتمكن من إنجاز دبلوم في الإعجاز القرآني لخريجي الجامعات من مختلف التخصصات، وأن تكون هناك رسائل ماجستير ودكتوراه في هذا العلم المهم جدًا".
