تصاعد الاحتجاجات العمالية: الغلاء يضغط، والعُملة تنهار… والغضب يتمدد من القاهرة إلى المحافظات

- ‎فيتقارير

تصاعد الاحتجاجات العمالية: الغلاء يضغط، والعملة تنهار… والغضب يتمدد من القاهرة إلى المحافظات

 

في مشهد لم يعد مألوفًا منذ سنوات، تتسع رقعة الاحتجاجات العمالية داخل شركات مياه الشرب والصرف الصحي في القاهرة وعدد من المحافظات، في وقت يشهد فيه المصريون واحدة من أعنف موجات الغلاء وانهيارًا غير مسبوق في قيمة العملة الوطنية.

 

وبينما تحاول الحكومة تصوير التحركات كـ"مطالب مهنية"، تشير الوقائع على الأرض إلى أن الأزمة أعمق، وتعكس حالة احتقان اجتماعي واقتصادي تتجاوز حدود قطاع المياه.

 

 احتجاجات تتجدد للأسبوع الثاني… وبوادر امتداد إلى المحافظات

 

 بدأت الأزمة بتظاهرات متزامنة لعمال شركة مياه الشرب بالقاهرة للمطالبة بضم العلاوات المتأخرة منذ 2016 وتثبيت العمالة المؤقتة، بالإضافة إلى المطالبة بإقالة نائب رئيس الشركة للشؤون المالية والإدارية علي عماشة.

 

لكن تجاهل المطالب لسنوات، مع تدهور مستوى المعيشة بفعل التضخم المتسارع، دفع الاحتجاجات للانتشار سريعًا.

 

ففي غضون أيام، التحقت فروع الشركة في الشرقية وبني سويف بالاحتجاجات تضامنًا مع عمال القاهرة، بينما واصل عمال مياه الجيزة حراكهم لليوم الثالث في مواقع متعددة مثل جزيرة الدهب والوراق وإمبابة.

 

قرارات حكومية “شكلية”… والعمال: التسويف لم يعد يجدي

 

 حاولت الشركة القابضة احتواء الأزمة بإصدار 13 قرارًا وصفَتها بـ"الحزمة التحفيزية"، لكن العمال اعتبروها خالية من أي التزام فعلي.

 

فالقرارات تجاهلت المطالب الجوهرية: صرف العلاوات المتأخرة تثبيت المؤقتين إقالة المسؤول المتهم بإدارة الملف المالي بشكل يفاقم الأزمة ولم يزد من غضب العمال سوى اكتشافهم أن فروق الضرائب المقتطعة منهم بين 2018 و2022 قُدّرت بـ50 مليون جنيه لم يجرِ ردّها، إضافة إلى أن ضرائب السنوات الأخيرة لم تُسدد أصلًا إلى مصلحة الضرائب.

 

انهيار قيمة الجنيه… الرواتب تتآكل تتسق موجة الاحتجاجات

 

مع الوضع الاقتصادي الكارثي الذي يعيشه المواطنون، إذ فقدت الرواتب قيمتها الحقيقية مع الانهيار الحاد للجنيه وارتفاع الأسعار بمعدلات غير مسبوقة.

 

ويقول العمال: إن "من قضى 20 أو 30 عامًا في الخدمة يتقاضى راتبًا يقارب ما يحصل عليه العامل الجديد، في صورة تعكس فشل سياسات الأجور والتدرج الوظيفي."

 

كما لفتوا إلى فجوة الرواتب الضخمة بينهم وبين العاملين في الشركة القابضة نفسها، الذين تزيد رواتبهم بنحو 3 إلى 4 آلاف جنيه، ما فاقم الشعور بالظلم وأشعل فتيل الاحتجاجات.

 

التحصيل يتوقف… والإدارة تخسر ورقة ضغطها الأخيرة

 لم تتوقف الأزمة عند حدود التظاهر داخل المواقع، إذ امتنع محصلو الفواتير عن النزول للعمل، ما أدى إلى تراجع التحصيل بنسبة 80%.

 

ومع انضمام مشرفي التحصيل أنفسهم للإضراب، بدا واضحًا أن الإدارة تفقد السيطرة سريعًا على أحد أهم مصادر دخل الشركات.

 

لماذا الآن؟ قراءة في الخلفية الاقتصادية والاجتماعية

 

 تزايد الاحتجاجات العمالية لا يمكن فصله عن: 1. تآكل الدخول بفعل التضخم وتدهور الجنيه 2. غياب العدالة في الأجور وتجميد العلاوات لسنوات 3. الاعتماد المفرط على العمالة المؤقتة وحرمانها من الاستقرار 4. فقدان الثقة في المؤسسات مع تكرار الوعود الرسمية دون تنفيذ 5. تفاقم الفجوة بين تكلفة المعيشة والرواتب، ما جعل استمرار العمل دون تحسينات أمراً غير ممكن هذه العوامل مجتمعة تكشف أن الاحتجاجات الحالية ليست مجرد مطالب فئوية، بل انعكاس لاحتقان اجتماعي واسع، يطرق أبواب قطاعات أخرى، وربما ينذر بتحركات أوسع إذا بقيت الأوضاع الاقتصادية على هذا المسار.

 

احتجاجات المياه… جزء من موجة أوسع

 شهدت شهور سابقة تحركات مشابهة في الإسكندرية والقليوبية وغيرها، مع مطالب تتعلق بالعلاوات والحد الأدنى للأجور وعقود العمل.

 

 هذا التراكم يؤكد أن الأزمة بنيوية، وأن اختزالها في "خلل إداري" لن يوقفها.