مجدي عزت
لم تسفر محادثات الفصائل الفلسطينية بالقاهرة، مؤخرا، عن أية نتائج تذكر سوى مزيد من العقبات، إثر شروط فتح الاستفزازية لبقية الفصائل. هذا الفشل يضاف إلى صفحة طويلة من اللقاءات والحوارات التي انتهت دون نتائج بين حركتي "فتح" و"حماس"، وكان آخرها قبل شهر حين وقَّعت الحركتان على اتفاق يقضي بتسلم الحكومة لمهامها الرسمية في القطاع، وتبدأ خطوات تخفيف الحصار ورفع العقوبات التي لا يزال يفرضها الرئيس عباس على غزة منذ 8 أشهر.
رغم أن أهل غزة الأكثر تضررًا علقوا آمالا كبيرة على الحوار، بتخفيف الحصار وويلاته التي يتجرعونها منذ 11 عامًا، وزاد من مرارتها الانقسام الداخلي، إلا أن ذلك لم يكن هدفًا استراتيجيًا لمفاوضي فتح، بقدر ما كان السيطرة على السلاح والأرض والمؤسسات في غزة بشكل كامل.
خيبة أمل
منذ اليوم الأول من لقاءات القاهرة التي جمعت 13 فصيلا فلسطينيا، على رأسهم "فتح" و"حماس"، وجمعت 63 شخصية فلسطينية، حتى بدأت تخرج الأنباء والتسريبات عن فشل متوقع في ظل خلاف قائم ومسافات لا تزال متباعدة، فيما حاول البيان النهائي تجميل نتائج اللقاء، رغم أنه يحمل بين سطوره الكثير من المخاوف والخلافات.
وكانت الفصائل الفلسطينية في القاهرة، الأربعاء الماضي، قد أعلنت عن اتفاقها على أبرز القضايا الوطنية بعد أيام من اللقاءات برعاية مصرية.
وحول خبايا لقاء القاهرة، ونقاط الخلاف الكبيرة بين "فتح" و"حماس" التي لا تزال عالقة، أكد جميل مزهر، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية وعضو وفد المصالحة في القاهرة، أن الفصائل لم تحقق أي تقدم بملفات المصالحة التي جرى بحثها في العاصمة المصرية.
وذكر عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، أن العقوبات المفروضة على قطاع غزة بناءً على تطورات ملف المصالحة ستبقى قائمة، حيث لم نحصل على قرار من حركة "فتح" بذلك، متمنيًا أن لا تكون هناك ضغوطات خارجية تعرقل المصالحة الفلسطينية.
وشددت الفصائل في بيانها الختامي، على ضرورة الإسراع بخطوات تطوير وتفعيل منظمة التحرير وفقا لإعلان القاهرة عام 2005، ودعوة لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية للاجتماع لتحقيق ذلك، ويأتي ذلك انطلاقًا من أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
وبدأت اجتماعات الفصائل الفلسطينية في القاهرة الثلاثاء الماضي، ويأتي هذا الاجتماع وفق اتفاق حركتي فتح وحماس الأخير في القاهرة، أكتوبر الماضي، والذي نص على تمكين حكومة الوفاق في قطاع غزة واستلامها المعابر والجباية عليها وهو ما تم، ودعوة الفصائل لعقد حوار وطني شامل في القضايا الوطنية الكبرى وفق اتفاق القاهرة عام 2011 في 21 نوفمبر، يليه لقاء ثنائي بين حماس وفتح في الأول من ديسمبر المقبل لتقييم مرحلة تمكين الحكومة.
عضو الهيئة القيادية لحركة "فتح" يحيى رباح، قال إن "البيان الختامي للقاءات الفصائل في القاهرة كان من الممكن عدم إصداره، لكن ارتأت الفصائل إخراجه بهذا الشكل".
ويقول رباح إن "كل فكرة المصالحة قائمة على تمكين الحكومة من القيام بعملها عندما تستلم الحكومة كامل السيطرة ستسير المصالحة للأمام وتتحقق"، مشددا على أنه "بدون الملف الأمني لا يمكن للمعابر أن تعمل، فهو أمر حيوي ومهم لـ"فتح"، وبدونه لن تكون مصالحة".
وبيَّن رباح أنه "يجب أن يكون هناك سلطة واحدة وسلاح شرعي واحد، وأن يكون قرار السلم والحرب قرارًا وطنيًا، مشيرًا إلى أن "من يطالب بالسرعة في تنفيذ الخطوات هو لا يريد المصالحة، والأمور تحتاج للوقت ولا يجب الاستعجال"، وتابع أن "بيان القاهرة كان مرضيًا والمصالحة تخطو خطوات جيدة، وعلينا أن نثق بأنفسنا دون إثارة ضجيج كبير"، على حد تعبيره.
وبحسب مراقبين، فإن حركة "فتح" أصرّت على التمسك بحوارات ثنائية مع "حماس" قبل البدء في الحوار الوطني الشامل، بذريعة تقييم الحكومة وما أنجز على صعيد تسليم الوزارات في غزة، في محاولة للقفز على التوافق الوطني في تناول القضايا الاستراتيجية المتمثلة بالمجلس الوطني والانتخابات والحكومة وملفات المصالحة المجتمعية والأمن.
وأثناء فترة تمكين الحكومة، خرجت حركة "فتح" في تصريحات صحفية متجاوزة فيها الإجماع الوطني، أبرزها ما تحدث به جمال محيسن، عضو اللجنة المركزية لفتح، والذي قال فيها "إنه لن يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية، وأن حكومة الحمدالله هي فقط ستواصل مهامها حتى إجراء الانتخابات".
وسبق ذلك تصريح الرئيس عباس، الذي أكد فيه أن برنامجه السياسي هو المرجعية للحكومة في محاولة لتجاوز توافقات القاهرة، كما قال إنه لن يعين شخصا لا يعترف بـ"إسرائيل" في حكومته، في محاولة لقطع الطريق على مشاركة "حماس".
أطراف ترفض المصالحة
بدوره، قال النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي حسن خريشة، إن "البيان الختامي للفصائل في القاهرة يوضح أن هناك أطرافا في المصالحة تحاول التراجع عمَّا تم الاتفاق عليه".
وأوضح خريشة أن الفصائل لا تمتلك القرار لتحريك المصالحة بقوة، كونه تركز بيد رئيس السلطة محمود عباس، مبينا أن البيان احتوى عبارات عائمة وإنشائية وبعض المخالفات للقانون الأساسي الفلسطيني، معتبرًا أنه كان "ذرا للرماد في العيون".
وقال خريشة: "حكومة الوفاق الوطني تفتقد حتى الآن للبعد الدستوري والقانوني"، مشيرا إلى أن "من يقرر عقد المجلس هو رئيس السلطة، وكان يجب مخاطبته لدعوة المجلس للانعقاد، وما صدر في البيان مخالف للعرف والقانون الأساسي".
واستغرب الخريشة الدعوة لعقد الانتخابات في نهاية عام 2018، طالما أن السجل الانتخابي جاهز، وكأنه اعتراف بشرعية الأمر الواقع حتى الانتخابات، بحسب تعبيره، متابعا: "الفصائل دعت لرفع العقوبات عن غزة، لكن لم ترفع ولا عقوبة واحدة، كل الفصائل أصبحت في مواجهة مع قرارات الرئيس باستمرار العقوبة، التي ما زال يفرضها بحجة تمكين الحكومة".
وفي ذات السياق، قال وزير العدل السابق والسياسي المعروف فريح أبو مدين، إن "الرئيس الفلسطيني محمود عباس أعلنها صراحة، أنه يريد حكما مطلقا في غزة لا يشاركه فيه أحد، وأن يكون صاحب القرار في كل شيء".
وذكر أبو مدين أن الحكم المطلق بدون شراكة لا يصلح في غزة، في ظل الوقائع التي حدثت خلال الأعوام الـ11 السابقة، والتي عين فيها آلاف الموظفين، وتطورت فيها الأجنحة العسكرية لحركتي حماس والجهاد ويقية الفصائل الأخرى.
وأكد أبو مدين أن الذي يصلح لإمساك الأمن في الوقت الراهن هو حركة حماس، موضحًا أن الأجهزة العاملة حاليا باتت على دراية وعلم تام بأوضاع القطاع، "وهناك فلتان سابق يخشى الناس العودة إليه مجددا"، وفق قوله. مشيرًا إلى أن معالجة الملف الأمني تحتاج إلى تدرج للوصول لحالة من الشراكة بين مكونات الشعب في غزة".
وتسلّمت الحكومة الفلسطينية، مطلع نوفمبر الحالي، إدارة معابر قطاع غزة الثلاثة، في إطار اتفاق المصالحة. ونصّ اتفاق القاهرة، الذي تم توقيعه في 12 أكتوبر الماضي، على تنفيذ إجراءات لتمكين الحكومة الفلسطينية من ممارسة مهامها والقيام بمسئولياتها الكاملة في إدارة شؤون غزة، كما في الضفة الغربية، بحدٍّ أقصاه مطلع ديسمبر المقبل، مع العمل على إزالة كل المشاكل الناجمة عن الانقسام.