يبدو أن مصر تعيش مرحلة جديدة وعصرًا مختلفًا من عصور المنع، الذي منع فيه نظام الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، المصريين من الطعام والشراب والدواء والكلام والهواء، حتى إن شاعر الممنوعات أحمد فؤاد نجم لو ظل حيًّا لم يكن ليدري أكانت قصيدته التي كتبها حينما قال “ممنوع من السفر.. ممنوع من الغنا.. ممنوع من الكلام.. ممنوع من الاشتياق.. ممنوع من الاستياء.. ممنوع من الابتسام.. وكل يوم في حبِّك.. تزيد الممنوعات”، لم يدرِ أهذه هي الممنوعات التي تحدث عنها في حياته أم أن الممنوعات في عصر السيسي من طراز لم يتوقعه.
وفي ظل دولة الممنوعات، لم يجعل نظام السيسي من الممنوعات حكرا على النائب العام فقط، بل إنه امتد بها إلى رئيس المجلس الأعلى للإعلام مكرم محمد أحمد، الذي عاد لينتقم من الصحافة والصحفيين.
سابقة سيساوية
وفي سابقة لم تحدث من قبل، أصدر المجلس الأعلى للإعلام قرارا بوقف نشر كل ما يتعلق بمستشفى 57357، وطالب جميع الأطراف بالتوقف عن الكتابة فى الموضوع، ووقف بث البرامج المرئية والمسموعة التى تتناول هذا الموضوع لحين الانتهاء من التحقيقات، وإعلان نتائجها.
وجاء القرار بعد سلسلة من المقالات نشرها الكاتب والسيناريست وحيد حامد، بشأن ما قال إنها “مخالفات ارتكبتها إدارة المستشفى، عبر إساءة استخدام التبرعات، وكذلك في تقاضي أجور مبالغ فيها، وتعيين أقارب لمدير المستشفى في مناصب قيادية”.
وتقدم حامد ببلاغين للنيابة العامة والإدارية، لكن وزارة التضامن الاجتماعي (المشرفة على المستشفى) قررت تشكيل لجنة لفحص أعمال المستشفى.
ورغم أن “الأعلى للإعلام” أكد أن “وقف النشر لحين الانتهاء من التحقيقات”، إلا أن مكرم محمد أحمد الذي يلعب دور “المحلل” توجه بالإشادة للمؤسسة، وقال: إنها تمثل إنجازا مهما فى مصر، فضلاً عن أنها صرح طبى ضخم، ولها رسالة نبيلة بصرف النظر عمّا تعرضت له من انتقادات صح بعضها أو لم يصح”، وذلك من أجل الحفاظ على سبوبة التبرعات التي يتلقّاها نظام السيسي من المصريين بالنصب تحت شعار أعمال الخير.
وتعد سياسة الاتحاد الاشتراكي، التي أسسها الرئيس الراحل صاحب نكسة يونيو 1967، هي أساس ما يسمى بـ”المجلس الأعلى للصحافة والمجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والإعلام”، حيث أصبحت كلها تنظيمات واحدة بمسميات مختلفة، والوصايا واحدة عبر مختلف العصور.
وتعمل هذه التنظيمات بشعار واحد وقديم هو “يموت ملك ويحيا آخر”، كما أن فلسفة السيطرة واحدة، ومحاربة حرية الصحافة والإعلام لم ولن تتغير.
وتنوعت سلطات منع النشر واختلفت، ففي العصر الشمولي والتأميم، حيث كان الرقيب يمارس المنع بشكل مباشر.. ومع الانفتاح وديمقراطية الكارتون كان رئيس التحرير نفسه المسئول عن المنع، ليصبحوا “ملكيين أكثر من الملك”، إلا ان مكرم محمد أحمد أتى اليوم ليأمر بالقرار وليست سلطات التحقيق التي تصبغ قرار منع النشر بغلاف الحفاظ على سير التحقيقات والأمن القومي.
وتعددت القضايا التي تم الأمر فيها من قبل سلطات الانقلاب بحظر النشر منعا من استمرار الحديث حول الفضيحة، لتزيد جهات المنع، وتنبئ بأننا دخلنا عصر المنع الأكبر، حيث تُمنع فيه الصحافة من الكلام عن قضية سد النهضة، أو الحديث عن الدور الغريب لتركي آل الشيخ. كما تم حظر النشر في قضايا فساد وتهريب أشهرها رشوة وزير الزراعة، وقضية الفساد في مجلس الدولة، وانتحار القاضي المتهم في القضية، وغيرها الكثير.
فيما انتقد ياسر عبد العزيز، الخبير الإعلامي، قرار المجلس، وقال إنه غير دستوري وغير قانوني، مؤكدًا أن القرار لا يقع ضمن صلاحيات المجلس.
وأضاف عبد العزيز، في تصريحات صحية، أنه لا يحق للمجلس فرض حظر على مناقشة أي موضوع، طالما لم يخالف المواد الدستورية أو قانون التنظيم المؤسسي.
وتابع: “هذه ممارسة حادة وصادمة وغير مفهومة تضر بحرية الرأي والتعبير، وتسلب الجمهور حقه في التعرف على قضية حيوية مهمة تقع في نطاق اهتمامه، وتفقد الصحافة دورها في العمل على كشف الوقائع المثيرة للجدل فيما يتعلق بالفساد المؤسسي”.
