في زمن تفشِّي الفيروسات والأمراض المتوطنة، مثل كورونا وإنفلونزا الخنازير والطيور والإنفلونزا الموسمية، التي تستدعي تنشيط الحكومات لخدمات الصحة والوقاية والتوسع في إنشاء المستشفيات المتطورة، كما فعلت الصين التي أنشأت مستشفيات متكاملة في أيام معدودات، وعلى عكس ذلك كله تتخلى حكومة الانقلاب المصرية عن آليات سيطرتها على الأمراض والحفاظ على صحة المصريين، عبر المستشفيات المتطورة، التي ترتكز عليها الخدمات الصحية في بلد تنهار فيه المستشفيات الحكومية وتتراجع فيه معدلات الأمان الطبي.
حيث تتراخى حكومات السيسي عن السيطرة على المستشفيات الخاصة والشركات الطبية وشركات الأدوية التي تركتها للشركات الإماراتية لتستولي عليها بالشراء واحتكار الخدمات الطبية المتميزة، ومن ثم الاتجار بصحة المصريين.
وهو ما دفع جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، أمس، إلى أن يُصدر بيانًا طالب فيه حكومة السيسي بوقف تنفيذ الصفقة المرتقبة بين شركة مستشفيات كليوباترا المملوكة لمجموعة أبراج كابيتال الإماراتية، للاستحواذ على مستشفيات دار الفؤاد و”السلام الدولي”؛ لتأثيرها السلبي على الاقتصاد المصري وحقوق المواطنين والمرضى، وخلق كيان مسيطر داخل الدولة المصرية.
وأكد الجهاز، في بيان رسمي أمس الخميس، أنه خاطب وزارة الصحة لتفعيل المادة رقم 2 من قرار وزير الصحة رقم 497 لسنة 2014، والذي يحظر التصرف في المستشفيات الخاصة ومصانع الأدوية بأي نوع من التصرفات القانونية، إلا بعد الرجوع للإدارة المختصة بوزارة الصحة.
وحذَّر الجهاز من أن الصفقة المرتقبة سوف تؤدي لرفع أسعار الخدمات الطبية على المريض، وتقيد خياراته المتاحة في الحصول على أفضل الخدمات بأقل الأسعار، فضلا عن خلق كيان مسيطر داخل الدولة المصرية، يمثل عائقًا نحو دخول استثمارات جديدة بقطاع الخدمات الطبية، ذات كفاءة عالية.
وبحسب الجهاز، فإن الصفقة تقيد استثمارات قطاع التأمين الطبي، بما يزيد من معدلات التضخم وغيرها من آثار سلبية على الاقتصاد والمواطن المصري، الأمر الذي يترتب عليه الإضرار بحرية المنافسة في السوق المصرية بشكل لا يمكن تداركه بالمخالفة لأحكام المادة 6 من قانون حماية المنافسة.
“كليوباترا” بعد “الكاتب”
وتثير التكهنات بشأن صفقة اندماج جديدة بين مجموعة مستشفيات كليوباترا ومجموعة ألاميدا للرعاية الصحية، النقاش مجددًا حول التطور السريع لحجم «كليوباترا» للحد الذي قد يُخشى معه من احتكارها سوق الصحة المصرية، خاصة وأن الصفقة المحتملة تأتي بعد شهور قليلة من إتمام المجموعة صفقة استحواذ أخرى على مستشفى «الكاتب»، أحد أعرق الكيانات الطبية في مصر، في نوفمبر الماضي، والتي تمت بعدما عرقلت هيئة الرقابة المالية إتمام مجموعة مستشفيات كليوباترا لصفقة استحواذ أخرى على مستشفى النزهة عام 2018.
وكانت تقارير صحفية قد نقلت عن مصادر حكومية قولها، إن جهاز حماية المنافسة، الذي يعاني أصلًا من قلة الأدوات التشريعية والتنفيذية لمواجهة الممارسات الاحتكارية، قد خاطب وزارة الصحة للتدخل لوقف الصفقة المحتملة بين «كليوباترا» و”ألاميدا”.
ويستند تاريخ مجموعة مستشفيات كليوباترا في مصر أساسًا على سلسلة من صفقات الاستحواذ، إذ يعود تاريخ المجموعة إلى العام 2014، حين استحوذت شركة «كير هيلث كير»، التابعة لمجموعة «أبراج»، ومؤسسة الاستثمار الألمانية DEG، PREPARCO، والبنك الأوربي لإعادة التعمير والتنمية، على حصة مسيطرة من مستشفى كليوباترا في حي مصر الجديدة في القاهرة.
وفي نفس العام، استحوذت «كير هيلث كير» أيضًا على 49% من مستشفى القاهرة التخصصي في حي مصر الجديدة، قبل أن ترفع حصتها إلى 53.9% لاحقًا. وفي العام التالي، استحوذت الشركة على 99.9% من أسهم مستشفى النيل بدراوي المطل على كورنيش النيل.
وفي 2016 استحوذت على 99.9% من أسهم مستشفى الشروق في حي المهندسين. ومهدت تلك الصفقات التي رفعت عدد الأَسرة ضمن مستشفيات المجموعة إلى 643 سريرًا عام 2016 حين أدرجت المجموعة في البورصة المصرية.
ويمثل الاستحواذ على مستشفيات قائمة أحد العناصر الرئيسية لاستراتيجية مجموعة مستشفيات كليوباترا في السوق المصري كما يبدو، لكن قائمة العناصر تلك تمتد لتشمل أخرى قد لا تقل أهمية، على رأسها إطلاق مراكز طبية مستقلة، وهي عيادات يرتكز نشاطها على إجراء الفحوصات الطبية العامة والمتخصصة فضلًا عن تقديم العلاج لمرضى العيادات الخارجية، بحيث يصل عدد تلك المراكز إلى عشرة مراكز بحلول عام 2023.
مستشفى النهضة ببني سويف
وفضلًا عن ذلك، تسعى المجموعة إلى التوسع خارج نطاق القاهرة الكبرى، وهو توجُّه بدأ بإعلانها عقد اتفاق شراكة لإدارة مستشفى تضم 200 سرير مملوكًا لجامعة النهضة في بني سويف.
وسمح النشاط المحموم للمجموعة، التي تمكنت أيضًا من إتمام مشروعات لرفع القدرة الاستيعابية لمستشفياتها، بارتفاع إيراداتها من 864 مليون جنيه في 2016 إلى ما يقرب من ملياري جنيه متوقعة في 2019.
ولعلَّ الأخطر من ذلك هو تواطؤ السيسي نفسه مع كل ما تطلبه الإمارات في مصر، من أراض استراتيجية في منطقة قناة السويس، والسيطرة على موانئ مصر الاستراتيجية في العين السخنة ودمياط والإسكندرية، والعاصمة الإدارية، وبعض الأراضي الزراعية في الجيزة والعياط وشرق العوينات، وقواعد عسكرية في براني وبرنيس وأيضًا الاستيلاء على البنوك المصرية بحصص حاكمة، وغيرها من كل القطاعات الرابحة في مصر.
بل إنه أسند ملف الاستثمارات الإماراتية للمخابرات العامة ورئاسة الجمهورية بعد شكاوى من تراخي شركات الجيش المسئولة عن رافق العاصمة الإدارية، لدرجة أن أصبحت مصر هبة الإمارات.