استجابة لدعوات قواعدها.. “النهضة التونسية” تحل مكتبها التنفيذي

- ‎فيعربي ودولي

في إجراء اعتبره مراقبون استجابة لكثير من قواعد الحركة، أصدر راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسية ورئيس البرلمان المجمد، قرارا بحل المكتب التنفيذي للحركة. وفي بيان صدر مساء الإثنين 23 أغسطس 2021م، قالت الحركة إنه "تفاعلا مع ما استقر من توجّه عام لإعادة هيكلة المكتب التنفيذي؛ فقد قرر رئٔيس الحركة إعفاء كل أعضاء المكتب التنفيذي، وإعادة تشكيله بما يستجيب لمقتضيات المرحلة ويحقق النجاعة المطلوبة".

وأوضح البيان أن "رئيس الحركة يؤكد مواصلة تكليف لجنة إدارة الأزمة السياسية برئاسة محمد القوماني من أجل المساهمة في إخراج البلاد من الوضع الاستثنائي الذي تعيشه". وتوجه الغنوشي بـ"جزيل الشكر لكل أعضاء المكتب على ما بذلوه من جهد، فيما كلّفُوا به"، ودعاهم لـ"مواصلة مهامهم إلى حين تشكيل المكتب الجديد".

 

وحدة الحركة

وتعيش "حركة النهضة" على وقع خلافات في انتظار مؤتمرها الذي يفترض أن ينعقد نهاية العام الجاري. وترى بعض قواعد الحركة أن قيادتها فشلت في العبور بمرحلة الانتقال الديمقراطي بنجاح في أعقاب القرارات التي أصدرها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو 2021م والتي يعتبرها كثيرون بمثابة انقلاب على الدستور؛ حيث أعفى رئيس الحكومة وجمَّد البرلمان ووضع جميع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في يده. وهو ما يمثل انقلابا على الدستور والثورة والمسار الديمقراطي كله.

وكانت مجموعة كبيرة من أعضاء مجلس شورى "النهضة" قد طالبت بحلّ المكتب التنفيذي وتحميل المسؤولية لعدد من القيادات التي قالت إنها قادت الحركة والبلاد إلى هذا الوضع، وطالبت أيضا باستبعاد رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني، كما طالب البعض باستقالة الغنوشي نفسه.

وكان شباب من حركة "النهضة" قد توجهوا في وقت سابق برسالة إلى رئيس الحركة لتصحيح المسار وحل المكتب التنفيذي.

وفي تصريحات سابقة، كانت النائبة وفاء عطية قد ذكرت أن الحراك داخل حركة "النهضة" موجود منذ فترة ولكنه برز على الساحة أكثر وأصبح علنيا، مشيرة إلى أن من أبرز مطالبهم إجراء مراجعات جذرية وإصلاحات حقيقية داخل حركة (النهضة) ومنها تغيير المكتب التنفيذي وتحميل المسؤولية للقيادات التي أخطأت للتراجع وترك المشعل للشباب.

وأشارت إلى أن بيان المكتب التنفيذي في 16 أغسطس"حمل بعض البوادر في إصلاح داخلي حقيقي بعد دعوة مناضلي ومناضلات الحركة للالتفاف حول حركتهم والتمسك بالمبادئ التي آمنوا بها، وسط أمل بالنجاح في ذلك وتكوين لجنة تدير الأزمة".

ومنذ انقلاب قيس سعيد تعيش حركة النهضة على وقع خلافات داخلية بين مطالبين بتغييرات جذرية وإجراء إصلاحات هيكلية داخل الحركة تشمل المكتب التنفيذي ومجلس الشورى، ورافضين للتغيير العميق في صلب الحركة.

وكان نحو 49 من أعضاء مجلس الشورى قد وقعوا على عريضة للمطالبة بسحب الثقة من رئيس المجلس عبد الكريم الهاروني، في حين أن المطلوب 50 توقيعا لعرض المسألة على مجلس الشورى المقبل.

 

تكريس لغة الحوار

ويرى فريق داخل "النهضة" أن الحركة لم تدخل في صدام مع أي من القوى السياسية وعملت على تكريس لغة الحوار مع الجميع دون إقصاء على أمل لم شمل الشعب وتعزيز وحدته حتى مع بعض المنتمين للنظام السابق. ويرى هؤلاء أن تحميل حركة النهضة المسئولية عما آلت إليه الأوضاع هو تدليس وافتراء وشكل من أشكال الدعاية السوداء ضد الحركة؛ ذلك أن ما جرى في  تونس تتحمل كل القوى السياسية المسئولية عنه كل بحسب وزنه الشعبي والسايسي. وبحسب هؤلاء فإن  الانقلاب الأخير الذي قاده الرئيس قيس سعيد هو انقلاب مدبر تشرف عليه وترعاه قوى دولية كفرنسا وتدعمه قوى إقليمية كالسعودية والإمارات ومصر. وأن الموقف من الحركة من جانب قيس سعيد ونظامه لن يتغير بتغير قيادة الحركة لأنه يمثل خطا إقليميا يستهدف إقصاء الإسلاميين، وهم الآن يبحثون على ذريعة للقيام بخطوات أخرى أكثر تهميشا وإقصاء للإسلاميين لا سيما مع انتهاء مدة الشهر التي أعلنها قيس سعيد  اليوم الثلاثاء 24 أغسطس 2021م.

 

هل تم تهميش شورى الحركة؟

ويرى قطاع آخر أنه جرى تهميش دور مجلس شوري الحركة الذي تحول بحسب هؤلاء إلى تابع للمكتب التنفيذي الذي جرى حله، وأن شورى الحركة لم يمارس دوره كسلطة رقابية وتوجيهية، رغم أنه يمثل أكبر سلطة داخل الحركة. وأشار بعض  أعضاء المجلس إلى وجود قرارات لا تمثل مجلس الشورى ولا تعبر عنه، ورغم ذلك لا تحصل محاسبة للمكتب التنفيذي ولا لرئاسة مجلس الشورى.

ويرى وزير الفلاحة السابق والقيادي في حركة "النهضة" محمد بن سالم، أن الأزمة التي تعيشها تونس واضحة وجلية، موضحًا أنه "لا بد من حل سياسي كأي أزمة سياسية"، مشيرًا إلى أن "هناك مسؤولية تتحملها حركة النهضة بحكم مشاركتها في السلطة وفي مواقع القرار من خلال مواقف قيادة الحركة التي أزمت الوضع أو ساهمت فيه برغم أنها لا تتحمل المسؤولية بمفردها، ولكن لا بد من إصلاحات جذرية داخل الحركة".

ويشرح وزير الفلاحة السابق دوافعه لهذه المطلاب بأن القيادة الحالية للحركة يصعب عليها الآن القيام بحوار مع رئاسة الجمهورية بعد أن ساءت العلاقة بشكل كبير يصعب إصلاحه على يدي نفس الأشخاص، موضحًا أن "الحركة وإذا ما واصلت سياسة الهروب إلى الأمام، فسيصبح حتى التعامل مع المنظمات والمجتمع المدني ممن يدافعون عن الديمقراطية صعبا"، مشيرا إلى أن القيادة الحالية تحالفت مع المنظومة القديمة وتجاهلت الأصدقاء القدامى والأحزاب الثورية ما يجعل من الصعب بناء علاقات جيدة بنفس الوجوه، مؤكدًا ضرورة تراجع القيادة الحالية إذا كان ذلك ثمنًا للتواصل وبناء ثقة جديدة.

الأمل معقود على الحركة

ويرى فريق ثالث أنه بعيدا عن مواقف نظام قيس سعيد من الحركة فإن ما آلت إليه الأوضاع  يستوجب من قادة الحركة تقديم استقالتهم والعودة إلى قواعد الحركة لاختيار قيادة جديدة  تكون قادرة على المرور بالأزمة بأقل الخسائر؛ لأن المستهدف ليس حركة النهضة والإسلاميين بل التجربة الثورية والديمقراطية نفسها، وأن الأمل معقود على الحركة وكل المناصريين للثورة والديمقراطية في حماية التجربة حتى لا تعود تونس إلى حكم الفرد كما كانت عليه في عهدي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، وأن الحركة حاليا تحتاج إلى الوحدة والتكاتف حول قيادة  جديدة تكون أكثر قدرة على مد جسور الحوار مع الجميع دون استثناء للخروج من الأزمة وحماية المسار الديمقراطي والدستوري.