فى مسألة التعدد [5].. «النبى ﷺ بين الإفراد والتعدد»

- ‎فيمقالات

لقد كان تعدد الزوجات معروفًا إذًا ومنتشرًا فى سائر أنحاء العالم وعند سائر الأديان، قبل أن يُبعث النبى محمد ﷺ..

وكان التعدد مطلقًا بلا أية ضوابط أو قيود، حيث لم يكن هناك حدٌ أقصى لعدد الزوجات أو الجوارى، ولم يكن هناك اشتراط على الزوج أن يعدل بين زوجاته.. 

فلما جاءت الشريعة الإسلامية قيَّدت التعدد بالقدرة، فلا يجوز لمن لا يملك القدرة على النفقة ومؤنة النكاح أن يقدم على هذا التعدد، وإلا عُدّ التعدد فى حقه حرامًا، كذلك أوجبت الشريعة العدل بين الزوجات، وإلا حُرِّم التعدد فى حقه كذلك. 

وقيّدت الشريعة عدد الزوجات بأربع كحد أقصى، فقد قال النبى ﷺ لغيلان بن أمية الثقفى -لما أسلم- وكان تحته عشر نسوة: «اختر منهن أربعًا وفارق سائرهن»، وقال للحارث بن قيس وكان عنده ست نسوة: «اختر أربعًا وفارق اثنتين» [البيهقى]. 

أما النبي ﷺ فقد أفرد ما يقرب من ثمان وعشرين سنة، وعدّد ما يقرب من عشر سنوات، فلم يتزوج على خديجة حتى ماتت، وذلك أنها أغنته عن غيرها، بمروءتها ورجاحة عقلها، وظل يذكرها بالخير ويثنى عليها فى حياتها وبعد موتها..

 تزوجها ﷺ وهو فى الخامسة والعشـرين، وهى فى الأربعين من عمرها، وماتت (رضى الله عنها) وكانت تقترب من السبعين، أما النبى ﷺ فكان فى الثالثة والخمسين من عمره. وبعد موتها تزوج بأخرى (سودة بنت زمعة)، رضى الله عنها، وكانت تقاربها فى السن، وهى التى هاجرت معه ﷺ إلى المدينة. 

وللتعدد فى حياته ﷺ أسباب، وضرورات خاصة به كصاحب رسالة ونبى خاتم ومشرِّعٍ، لا كبشر من البشر؛ «صحيح فى السنوات العشر الأخيرة من حياته اجتمعت لديه نسوة أخريات، لكنهن جميعًا مجموعة من الأرامل المنكسرات أحاطت بهن ظروف صعبة، لم يُشتهرن بالجمال، ولم يكن لهن سنٌّ مبكرة -اللهم إلا واحدة هى (عائشة)، رضى الله عنها، تزوجها توثيقًا لعلاقته بأبيها، وقد تزوج (حفصة)، رضى الله عنها، ولم تُعرف بجمال، بل بنى بها بعد موت زوجها جبرًا للخاطر ودعمًا لمودة أبيها.. 

وتزوج (أم حبيبة)، رضى الله عنها، المهاجرة إلى الحبشة؛ ليعز جانبها، حيث أسلمت رغم أنف أبيها زعيم المشركين يومئذ، وبقيت على الإسلام رغم أنف زوجها الضائع..
 
وكلما أحاطت ظروف سيئة بامرأة ذات مكانة، ضمها إليه، وما كان للشهوة موضع يُلحظ، وأدركت النسوة القادمات هذه الحقيقة، وعرفن أن هذا الوضع فوق طاقة الإنسان العادى، فعرض بعضهن فى صراحة أن يبقى منتسبًا للبيت النبوى مكتفيًا بهذا الشرف، متنازلاً عن حظ المرأة من الرجل، فإن الرسول ﷺ آواهن مستجيبًا لنداء إنسانى لا لبواعث الغريزة» [قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة، الغزالى]. 

وقد كان ﷺ أعدل الناس، وكان أعدل ما يكون مع زوجاته. تقول عائشة (رضى الله عنها): «كان رسول الله ﷺ يقسم فيعدل ويقول: «اللهم هذا قسمى فيما أملك، فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك» [الترمذى وأبو داود] -يقصد ﷺ أن العدل فى الحب بين النساء غير مُستطاع، لكن على الزوج ألا يميل عن الأولى كل الميل فيذرها كالمعلقة، بل عليه أن يعاملها باللطف والحسنى عسى أن يصلح قلبها ويكسب مودتها. 

وحذر ﷺ من عدم القسط، فيما يخص النفقة والسكنى والمبيت، وهو العدل الظاهر المقدور عليه، وليس العدل فى المودة والمحبة، يقول ﷺ: «إذا كانت عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما، جاء يوم القيامة وشقه ساقط» [الترمذى]. 

وبشَّر ﷺ الذين يعدلون بين أزواجهم بالفوز الكبير يوم القيامة، فى  الحديث الذى ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» [مسلم].