القرآن الكريم.. مخزون الطاقة الإيجابية

- ‎فيمقالات

لا تجدُ كتابًا، أرضيًّا أو سماويًّا، به ذلك الكنز الثرّ من الطاقة الإيجابية مثل القرآن المجيد، تلك الطاقة التى تمنح تاليه أو المتعايش معه الأحاسيس والمشاعر الطيبة والترقى فى درجات الكمال الإنسانى. ولِمَ لا وهو الدستور الإلهى الذى أُنزل لأجل خير وسعادة البشر؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 57، 58]. فهو نور الله المبين، وصراطه المستقيم، بلاغ الإيمان، وبيان الاستبشار؛ (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة: 2]، ودعوة الحضارة والتعمير، يهدى للتى هى أقوم، يرفع الله به أقوامًا ويخفض آخرين، من استمسك به هُدى، ومن أعرض عنه ضل وأضل؛ (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) [الزخرف: 43، 44].

وأىُّ يأس وقنوط بعد مطالعة قصص الأنبياء؟ وأىُّ كسل وقعود بعد الوقوف على آيات البشرى واليقين؟ لقد مكَّن الله لـ«يوسف» بعد تفرُّق وسجن وإيلام، وانقلبت المحنة إلى منحة، وهذا جزاء؛ (ومَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف: 90]، (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) [يوسف: 18]، بل تُوِّجتْ السورة التى تناولت قصته وسُميت باسمه بمبدأ مهم وقاعدة أساس؛ (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يوسف: 110]، فالحقوق حتمًا عائدة إلى أصحابها، والحزن لا يدوم، ولا يُجَازَى الإحسان إلا بمثله.

وتلك القاعدة تجدها مكررة فى سائر قصص القرآن التى تجد فيها العوْن، والنجاة، والهدى والفرح، والنصر والرحمة، والصفح والعفو، كما تجد، فى الوقت ذاته، بطش الجبار الذى لا تقف أمامه أية قوة، وانظر إن شئت فى قصص: ذو النون، مريم، موسى، نوح، إبراهيم، شُعيب، يعقوب إلخ. (إِنَّا مُنَجُّوكَ…) [العنكبوت: 33]، (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ…) [الأنبياء: 76]، (فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا…) [هود: 71]، (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا…) [التوبة: 40]، (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62)، (وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي…) [القصص: 7] إلخ. إن قارئ القرآن يوقن بأن هناك قوة كبرى هى التى تدبر الأمر، قادرة على كل شىء، تعلم السر وأخفى؛ (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس: 82]، (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا) [الفتح: 21]، فوجب تفويض الأمر إليها بعد استنفاد الأسباب؛ (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ…) [الزمر: 36]، (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّه…) [غافر: 44]، مستسلمًا لما يجرى عليه من قدر الله،

والله لا يقدِّر لعباده الطائعين إلا الخير وما فيه صلاحُهم؛ (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة: 51]. يرشدك القرآن العظيم إلى وسائل النهوض بالنفس وتخطى الكبوات، ومواجهة التحديات وتجاوز السلبيات حين تفتح عينك على مآب الصادقين وعقبى المتقين؛ فما من كبوة إلا أعقبها قفزة، وما من ضيق إلا أعقبه فرج، وما من عسر إلا أعقبه يسر، بل يسران؛ (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) [الشرح: 5، 6]، (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ..) [يونس: 62]، (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا) [المعارج: 6، 7].

لقد أخرج هذا الكتاب المبارك أممًا وأقوامًا من الظلمات إلى النور، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، وفاح أريجه وعطره على ما بلغ الليل والنهار من الأراضين، وخرّج لنا قادة وزعامات كانوا من قبل منكفئين فى ضلالهم وبؤسهم؛ (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) [الأنعام: 122]، ودعم نوازع الخير في ملايين الخليقة -ولا يزال- وكبح لديهم نوازع الشر، فاستقامت أفعالهم كما استقامت أقوالهم. وهذا الخير العميم هو ما جعل النبى ﷺ يوصى فى مرجعه من حجة الوداع بقوله: «أما بعدُ أيها الناس، إنما أنا بشرٌ يوشك أن يأتينى رسول ربى فأجيب وإنى تارك فيكم الثقلين: أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، من استمسك وأخذ به كان على الهدى، ومن أخطأ ضلَّ…».