في 31 يوليو الماضي (2023) نقلت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية عن مسئول أمني كبير في حكومة الاحتلال الإسرائيلي ثناءه الواسع على القيادي بحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية و الوزير بالسلطة الفلسطينية حسين الشيخ؛ وقال المسئول الإسرائيلي«إن حسين الشيخ هو رجلنا في رام الله»، مضيفا «هو يحث دائما على التعاون مع إسرائيل وليس التصادم معها».
وفي توضيح للأسباب التي اكتسب بسببها الشيخ مكانته المرموقة داخل حكومة الاحتلال وأجهزته الأمنية والمخابراتية نقلت المجلة الأمريكية عن المسؤول الأمني الإسرائيلي الذي طلب عدم ذكر اسمه؛ بسبب دوره المستمر في المخابرات الإسرائيلية، قوله «إن الشيخ يعمل بشكل وثيق مع "إسرائيل" لمنع الهجمات الفلسطينية على الإسرائيليين».
وفي فبراير2022م زار حسين الشيخ ــ حسب فورين بوليسي ـ غرفة اجتماعات محصنة في المقر الشاهق لوزارة الحرب الإسرائيلية في تل أبيب، وكان في استقباله حينها كبار ضباط جيش الاحتلال، وقيادة جهاز المخابرات السرية "الشاباك". وقالت المجلة إن "سماسرة القوة الإسرائيليين يعجبون بالشيخ باعتباره شريكًا براجماتيًا يتمتع بقدرة خارقة على إيجاد أرضية مشتركة".
حسب مقال المجلة الأمريكية الذي كتبه كل من آدم راسغون، وآرون بوكسرمان، فإن مسيرة صعود حسين الشيخ، من فتى دخل سجون الاحتلال في فترة الانتفاضة الأولى في الثمانينيات، إلى رجل يصفه ضابط مخابرات إسرائيلي كبير بأنه "رجلنا" في رام الله، تثير الكثير من التساؤلات حول قدرته على قيادة شعب لا يثق بقياداته. كاتبا المقال عادا إلى بدايات حسين الشيخ وكيف تمكّن من الصعود ليصبح مقرباً من محمود عباس ومرشحاً قوياً لخلافته يحظى بقبول حكومة الاحتلال وأجهزته من جهة والإدارة الأمريكية ومؤسسات الحكم بالولايات المتحدة من جهة أخرى؛ فكيف كان ذلك؟
حسب المجلة الأمريكية، يعمل حسين الشيخ – ذو القامة الطويلة واللطيف وذو الشعر الرمادي المصفف بالجيلاتين – كوسيط رئيسي للسلطة الفلسطينية مع "إسرائيل" في الضفة الغربية المحتلة؛ حيث يتحدث الشيخ اللغة العبرية بطلاقة، ويرتدي بذلات أنيقة، ويحث على التعاون مع "إسرائيل" وليس التصادم معها. فقد أصبح من كان في مراهقته ناشطاً تعرض للاعتقال على يد قوات الاحتلال في السابق؛ يرتدي ساعات رولكس الفخمة ويجوب العالم، ناهيك عن أنه يعمل الآن خلف الأبواب المغلقة لمنع انهيار السلطة الفلسطينية، تحت قيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
نموذج للأعمال القذرة
الفلسطينيون الذين يقفون طوابير بالساعات عند نقاط تفتيش الاحتلال، ويشاهدون قوات الاحتلال تداهم بيوتهم ليلا، ينظرون ــ حسب التقرير ــ إلى حسين الشيخ وقيادات السلطة الذين يعتقلون المسلحين الذين يخططون لهجمات على الإسرائيليين (شباب المقاومة) بوصفهم مكلفين بالأعمال القذرة التي تخدم مصالح الاحتلال. بالنسبة للكثيرين؛ يُعدُّ حسين الشيخ هو الرجل الذي يقوم بهذا العمل القذر وهو نموذج للنخبة في السلطة الفلسطينية، الذي يمثل ما وصفه مسؤول فلسطيني سابق يعيش في الضفة الغربية بأنه "احتلال للشخصيات المرموقة". إذ يمر المسؤولون الفلسطينيون رفيعو المستوى عبر حواجز الطرق الإسرائيلية ويتقاضون أجوراً ضخمة تمكّنهم من تغطية نفقات الفيلات المحاطة بأشجار النخيل في مدينة أريحا الصحراوية والرحلات الباهظة في أوروبا وإقامة أطفالهم للحفلات في حيفا ويافا، تلك المدن الإسرائيلية التي يُمنع معظم الفلسطينيين من الوصول إليها.
ورغم وجود منافسين للشيخ لخلافة عباس (87 سنة)، لكن لا أحد منهم واثق من أنه سيصل لقمة السلطة، لكن الشيخ لديه حظوظ أوفر ليصبح الزعيم المقبل للسلطة الفلسطينية، على الرغم من عدم اكتسابه شعبية واسعة لدى الفلسطينيين، وذلك بسبب العلاقات الوثيقة التي تربطه مع "إسرائيل" والولايات المتحدة.
حسب التقرير يقارن مسئولون أمريكيون بين الشيخ وغيره من قيادات السلطة؛ ففي اللقاء الأخير بين الرئيس الأمريكي جوبايدن ورئيس السلطة محمود عباس، استمر الأخير في الحديث بلا كلل (يشكو) لمدة 25 دقيقة قبل أن ينطق الرئيس الأمريكي بكلمة واحدة. كما قال دبلوماسيون أمريكيون وأوروبيون إن محمد اشتية، رئيس الوزراء الفلسطيني، غالباً ما يُجبِر الشخصيات الزائرة على سماع محاضرات مدتها 40 دقيقة حول التاريخ والقانون الدولي.
أما بالنسبة للشيخ، فقد قال المسؤول بإدارة بايدن: "عندما تتواجد معه في الغرفة ذاتها، يمكنك أن تقول إنه حريص حقاً على إيجاد الحلول"، ووصفه دبلوماسي أوروبي في المنطقة بأنه "ماهر في حل المشاكل، وليس التنظير بشأنها". في إشارة إلى أن الشيخ يفهم جيدا ماذا تريد واشنطن وتل أبيب والعواصم الغربية، ويسعى للتنفيذ دون جدل أو شكوى، وحماية المصالح الإسرائيلية والأمريكية.
يعمل حسين الشيخ بشكل وثيق مع "إسرائيل" لمنع الهجمات الفلسطينية على الإسرائيليين؛ حيث يتفاوض مع المسؤولين الإسرائيليين لتحديث البنية التحتية الفلسطينية القديمة. يبرر الشيخ ( 62 سنة) موقفه الذي لا يحظى بالاحترام والقبول من جانب الفلسطينيين: إن "كل هذه الجهود ضرورية للحفاظ على أمل بعيد المنال في أن يتمكن الفلسطينيون يوماً ما من الحصول على الحرية". أضاف الشيخ: "نحن بحاجة إلى تضييق الفجوة الواسعة بيننا"، مشبهاً أسلوبه بالحصول على تفاحة واحدة متاحة بدلاً من حزمة من أربع تفاحات لا يمكن الوصول إليها؛ مؤكداً أنه "مهما كانت إنجازاته بسيطة، فهي مهمة"!
خيانة الشيخ هي امتداد لخيانة عائلته (الطريفي)، فقد كان والده (شحادة) يدير متجراً لبيع المواد الغذائية بالجملة يقع في سفوح التلال بالقرب من الكنائس الجيرية في البلدة القديمة. ولعائلته تاريخ طويل من العلاقات الوثيقة مع الإسرائيليين؛ حيث استفاد قريبه (جميل)، وهو رجل أعمال ثري كان يمتلك مقالع أحجار، من علاقته مع المسؤولين الإسرائيليين للحصول على تصاريح وامتيازات للفلسطينيين الذين يعرفهم. بكلمات أخرى؛ ورث الشيخ مسيرة العائلة التي تتمحور حول التنسيق بين السلطات الإسرائيلية والفلسطينيين.
بحلول سنة 2017؛ أصبح الشيخ حارس عباس، إلى جانب رئيس المخابرات الصارم ماجد فرج. وشكل الثنائي ما يسميه بعض المسؤولين الفلسطينيين الدائرة المغلقة حول عباس، الذي أصبح غير متسامح مع النقد. يقول مسؤولون في مكتب عباس إن الشيخ يجلس بجانب الرئيس في رحلاته، ويدون ملاحظاته في دفتر صغير عما يقوله له، ثم يكررها لاحقاً في اجتماعات مع شخصيات أجنبية.
يرتبط الشيخ بعلاقات وثيقة مع أسرة أبو مازن؛ حيث ظهر في صورة مع حفيد الرئيس في أغسطس (2022) الذي وصفه بأنه "زعيم وطني"، وقال ناصر القدوة، العضو السابق في قيادة فتح والذي تحول إلى ناقد لعباس: "لديه قدرة خاصة على التملّق، والكذب، والإذعان، والهراء، ودائماً ما يعمل على إقناع أبي مازن بأنه إله ويقول: "كلامك رائع، سيدي الرئيس". ويرى محللون فلسطينيون أن أبا مازن عباس مكّن الشيخ من الصعود لأنه يفضل المستشارين غير القادرين على تحدي سلطته. وقال القدوة إن الرئيس يمكن أن يتخلص منه بسهولة إذا لم يكن محبوباً، وأضاف قائلاً: "إنه حشرة صغيرة مقارنة به. إذا غيَّر أبو مازن موقفه غداً، سينتهي الشيخ". لكن يبدو أن رأي القدوة جانبه الصواب؛ لأن الشيخ يستمد سلطته من الرضا الإسرائيلي الأمريكي؛ والدليل على ذلك أنه في ديسمبر(2022)، سُمع الشيخ وهو يشتم عبّاس قائلاً: "أنت ابن 66 عاهرة" في تسجيل صوتي سُرِّب إلى وسائل الإعلام الفلسطينية. واختيار تسريب هذا التسجيل كان مؤشراً معبراً على أن خصوم الشيخ يعتبرون عبّاس مصدر قوته الرئيسي. نفى حسين الشيخ هذه التسجيلات ووصفها بأنها تلفيقات تهدف إلى "تقويض الوحدة الوطنية". ولم يتم استبعاده؛ فالقرار على الأرجح يصدر من تل أبيب وليس من رام الله.
الشيخ الذي تلاحقه وتلاحق عائلته اتهامات كثيرة بالفساد، دعاه الأمريكيون فيك
أكتوبر (22) – وليس رئيس الوزراء الفلسطيني – لزيارة واشنطن للقاء المسؤولين الأمريكيين، بما في ذلك مستشار الأمن القومي جيك سوليفان. وقال المسؤول في الإدارة: "لقد أراد أن يأتي، بالتأكيد، لتعزيز مصداقيته داخل السلطة الفلسطينية، وكانت رغبتنا أن نسمح له بالمجيء ونمنحه بعض المصداقية في الشارع". طالما أن سياسة الولايات المتحدة تهدف إلى الحفاظ على الأمل في حل الدولتين في مواجهة سنوات من الجمود، فستحتاج واشنطن إلى أشخاص مثل الشيخ. وقال مسؤول من الإدارة: "إنه يحاول إبقاء هذا البرج المنهار (السلطة الفلسطينية) بأكمله قائماً. إنه يفهم حدودنا وحدود الإسرائيليين".
