في وقت تتسارع فيه وتيرة الحرب الإسرائيلية – الإيرانية لتشمل أطرافاً إقليمية، تكشف تطورات المشهد العسكري عن عجز واضح في بنية الاقتصاد المصري، الذي ما زال مرتهناً للاستيراد ومفتقراً لأي قدرة ذاتية على امتصاص الصدمات الخارجية.
فمع أولى الضربات الأميركية على المنشآت الإيرانية، وما تبعها من ردود إيرانية وصاروخية على تل أبيب، ارتفع سعر الدولار في البنوك المصرية بمعدلات غير مسبوقة، ليقفز سعر البيع إلى 51 جنيهاً، في حين بلغ سعر الشراء 50.90 جنيهاً. هذه القفزة السريعة ليست سوى إنذار أولي لموجة تضخمية متوقعة تضرب أسعار السلع والخدمات، وسط غياب أي تدخل حكومي فعال لاحتواء التداعيات.
الذهب والبورصة
ارتباك ومضاربات تأثر سعر الذهب محلياً بارتفاع الدولار، رغم استقرار أسعاره عالمياً، ليسجل غرام الذهب عيار 21 قرابة 4805 جنيهات، بينما وصل عيار 24 إلى 5491 جنيهاً، أما البورصة المصرية، فعكست حالة القلق والتخبط، حيث افتتحت مؤشرات السوق على صعود طفيف سرعان ما تلاشى، وسط تراجع المؤشر الرئيسي EGX30 بنسبة 4.37% منذ اندلاع المواجهة.
وأكدت خبيرة أسواق المال حنان رمسيس أن السوق يعاني من غياب الرؤية الاقتصادية، إذ تسيطر المخاوف على المستثمرين الذين باتوا يفضلون تسييل المحافظ والاحتفاظ بالسيولة أو المضاربة في الذهب، بانتظار ما ستسفر عنه الأحداث.
القطاعات الخاسرة
الكيماويات والعقارات في الصدارة جاء قطاع الكيماويات والأسمدة على رأس الخاسرين، متأثراً بتراجع واردات الغاز من إسرائيل وارتفاع أسعار الطاقة، يليه قطاعا البنوك والعقارات اللذان تأثرا سلباً بارتفاع سعر الصرف وزيادة معدلات التضخم، ما يعكس هشاشة القطاعات الحيوية في مصر أمام أي اضطرابات خارجية.
خطابات التطمين الحكومية لا تقنع الخبراء في المقابل، حاول بعض المحللين الموالين للنظام تهدئة الشارع، على غرار الاقتصادي أحمد خزيم، الذي قلّل من تأثيرات الحرب، زاعماً أن الفوضى في إسرائيل ستجبرها على العودة للتفاوض والاعتماد على مصر كوسيط اقتصادي وإقليمي.
كما أشار إلى أن تهديدات الحوثيين بعرقلة الملاحة في قناة السويس "محدودة"، في ظل استمرار مرور بعض السفن، دون الإشارة إلى حجم الانخفاض الفعلي في الإيرادات. واقع اقتصادي هش ومكشوف تكشف هذه التطورات مرة أخرى أن الاقتصاد المصري يعيش على حافة الانهيار، نتيجة ارتهانه الكامل للاستيراد الخارجي في الغذاء والطاقة ومواد الإنتاج، وانعدام أي استراتيجية اقتصادية بديلة، سواء في التصنيع أو الاكتفاء الذاتي.
كما يبرز فشل النظام الانقلابي في بناء منظومة حماية اقتصادية داخلية قادرة على مواجهة التحديات الجيوسياسية المتسارعة، إذ جاءت ردة فعل الأسواق عشوائية، والاستجابة الحكومية ضعيفة، بما يُنذر بمزيد من التدهور في مستويات معيشة المواطنين، خاصة مع تراجع القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار .