يدخل الاقتصاد المصري تحت سلطة الانقلاب العسكرى ، مرحلة جديدة من الغموض مع اقتراب اجتماع لجنة السياسات النقدية في البنك المركزي الخميس المقبل، وسط توقعات متضاربة بشأن خفض سعر الفائدة. وبينما تسوق الحكومة وروايتها الرسمية أن هذا الخفض خطوة نحو "التعافي"، يكشف واقع الاحتياطي الأجنبي الهش، وتضخم الديون، وضغوط صندوق النقد الدولي، أن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة تجميلية لإخفاء سقوط اقتصادي متواصل.
اقتصاد على حبل مشدود
يرى خبراء اقتصاد أن البنك المركزي بات عالقًا بين مطرقة التضخم وسندان الركود. فبينما انخفضت معدلات التضخم في يوليو/تموز 2025 إلى 13.9% بالمناطق الحضرية، يظل التضخم الأساسي مرتفعًا عند 11.6%، بما يحد من قدرة المركزي على التيسير النقدي. ويشير تقريره الفصلي الأخير إلى أن أي خفض للفائدة سيكون مرهونًا باستمرار السيطرة على التضخم وتوازن النمو، في وقت تتراجع فيه إيرادات قناة السويس بأكثر من 54% بسبب الاضطرابات في البحر الأحمر، وتتآكل فيه الإيرادات الدولارية.
ضغوط صندوق النقد والأموال الساخنة
مصادر اقتصادية أكدت فى تصريحات صحفية أن صندوق النقد الدولي حذر القاهرة من أن أي خفض كبير للفائدة سيؤدي إلى هروب الأموال الساخنة، وهي ما يقارب 40 مليار دولار داخل الاحتياطي النقدي الحالي البالغ 49 مليار دولار. هذه الأموال، التي تروج لها الحكومة كإنجاز، لا تعدو كونها "ديون مؤقتة" سرعان ما تغادر عند أول هزة في الأسواق. وهذا يضع المركزي أمام معضلة: فهو مضطر للحفاظ على معدلات فائدة مرتفعة لجذب تلك الأموال قصيرة الأجل، حتى وإن كانت تكلف الاقتصاد الحقيقي ركودًا أعمق.
صورة وردية مزيّفة
الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب يرى أن البنك المركزي يقدّم "صورة شديدة التفاؤل" حول أداء الاقتصاد، مستندًا إلى أرقام دفترية أكثر من كونها تحولات هيكلية حقيقية. فالتراجع في معدلات التضخم، كما يوضح، يعود جزئيًا إلى تغيير سنة الأساس في الحسابات، لا إلى تحسن في بنية الاقتصاد. كما أن ما يُروج له من استثمارات وتدفقات مالية ليس سوى بيع أصول وتسويات ديون، مثل صفقة رأس الحكمة، التي اعتُبرت "استثمارًا"، بينما هي في جوهرها تنازل عن ملكيات لصالح أطراف خارجية.
ويضيف عبد المطلب أن أي خفض للفائدة الآن سيكون في حدود 100 نقطة أساس فقط، وربما 200 في الربع الأخير من العام، بسبب استمرار معاناة المواطنين من الغلاء وتآكل دخولهم، وعجز القطاع الخاص عن التوسع في ظل منافسة غير عادلة مع الكيانات التابعة للدولة.
إصلاح أم تجميل؟
ما يطرحه البنك المركزي والحكومة من خطاب عن "السيطرة على التضخم" و"ارتفاع الاحتياطي" لا يغيّر حقيقة أن الاقتصاد المصري ما زال قائمًا على مسكنات مؤقتة، مرتبطة بتدفقات ديون قصيرة الأجل وصفقات بيع أراضٍ وأصول، بينما تظل القاعدة الإنتاجية ضعيفة. في ظل هذه الهشاشة، يبدو خفض الفائدة أقرب إلى خطوة سياسية استعراضية لإرضاء صندوق النقد وتجميل صورة الاقتصاد أمام المستثمرين الأجانب، أكثر من كونه بداية إصلاح حقيقي.