“وهم الاستقرار” ..لماذا يصر نظام الانقلاب على الأموال الساخنة رغم تحذيرات الخبراء؟

- ‎فيتقارير

 

على الرغم من التصريحات الرسمية  لسلطة الانقلاب العسكرى التي تزعم  تجاوز مصر لأزمات الاقتصاد خلال الفترة الماضية، فإن بيانات الواقع تكشف أن الصورة أبعد ما تكون عن الاستقرار. منذ إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي في أوائل التسعينيات، شهدت مصر تحسنات طفيفة في مؤشرات النقد والمالية، لكنها لم تنجح في نقل هذا التحسن إلى الجوانب الإنتاجية، ما جعل الاقتصاد عرضة لتقلبات السوق الدولية والأزمات الإقليمية والدولية.

قبل أيام، أعلن رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي أن مصر تجاوزت تحديات الاقتصاد، مشيراً إلى تحسن بعض مؤشرات الأداء وتوافر السلع الأساسية، إلا أن قراءة بيانات ميزان المدفوعات للفترة من يوليو 2024 إلى مارس 2025 تكشف أن الاستقرار المعلن مرتبط بشكل رئيسي بتدفقات الأموال الساخنة من المستثمرين الأجانب، وهو ما يؤكد هشاشة التحسن وعدم ثباته على أسس إنتاجية حقيقية.

 

أزمة الطاقة تتفاقم

الطاقة تمثل عنصراً استراتيجياً، ومصر التي كانت دولة مصدرة للطاقة قبل أكثر من عقد، أصبحت اليوم مستورداً صافياً، ويعكس الاتفاق الأخير لاستيراد الغاز من الاحتلال الإسرائيلي بقيمة 35 مليار دولار حتى عام 2040 حجم الانقلاب في واقع الطاقة المصري.

هذا التراجع في الإنتاج حمل كاهل المواطنين والمنتجين على حد سواء، إذ ارتفعت أسعار الغاز والكهرباء والوقود، ما أدى إلى زيادة تكاليف المعيشة وتعطل بعض الصناعات، كما حدث مع صناعة الأسمدة حينما انقطع الغاز الإسرائيلي عن مصر. الأرقام الرسمية تكشف عن عجز هائل في الميزان البترولي: صادرات مصر من البترول 4.17 مليار دولار مقابل واردات بقيمة 14.5 مليار دولار، أي عجز 10.3 مليارات دولار خلال 9 أشهر فقط، بما يمثل 27.4% من إجمالي العجز التجاري.

 

الأموال الساخنة: وهم الاستقرار

رغم الحديث عن استقرار سعر الصرف وارتفاع احتياطي النقد الأجنبي إلى 49 مليار دولار، فإن ذلك مرتبط مباشرة بالأموال الساخنة، التي تعتبر استثمارات مؤقتة وقابلة للهرب في أي وقت من الأزمات. بل سبق لوزير المالية السابق محمد معيط أن أقر بأن هذه الأموال كانت سبباً رئيسياً في الأزمات الاقتصادية، مؤكداً: "لقد تعلموا الدرس ولن يعودوا للأموال الساخنة مرة أخرى".

 

الاعتماد على الأموال الساخنة يشكل خطراً على الاقتصاد المصري؛ فهو يعطي مؤشرات مصطنعة عن الاستقرار ولا يوفر قاعدة حقيقية للنمو الإنتاجي، بينما يبقى المستثمر المحلي ورجال الأعمال تحت رحمة تحركات الأجانب في الأسواق المالية العالمية.

 

الاقتصاد الريعي وغياب الإنتاجية

 

ما زال الاقتصاد المصري اقتصاداً ريعياً يعتمد على تحويلات المصريين بالخارج، والسياحة، وصادرات البترول، وعوائد قناة السويس، بينما تتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بشكل كبير. الاستيراد، خصوصاً الغذاء والحبوب، يمثل نحو 24% من إجمالي الواردات السلعية، ما يجعل الاقتصاد مكشوفاً ومرهوناً بالديون والتقلبات الخارجية.

 

حتى لو استمر الاعتماد على الأموال الساخنة، فإن ذلك لن يحل مشكلة العجز البنيوي في الميزان التجاري، ولن يحسن الإنتاجية الوطنية، بل سيظل الاقتصاد المصري في دوامة من التبعية للخارج، مع ارتفاع مستمر لأعباء المواطنين والمنتجين، دون رؤية حقيقية لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.