رغم مزاعم حكومة الانقلاب بنجاحها فى تجاوز حالة الانهيار الاقتصادى التى كانت تعانى منها البلاد إلا أن الواقع يكشف أن كل ما تسوقه هذه الحكومة غير صحيح وهى تعتمد فى هذه المزاعم على تراجع معدلات التضخم وارتفاع معد النمو وفق تقديرات صندوق النقد الدولي والتى تزعم أن الاقتصاد المصري مرشح لتحقيق معدل نمو يبلغ 4.3% خلال عام 2025، مقارنة بـ3% فقط في العام السابق، كما رفع البنك الدولي توقعاته إلى 4.2% خلال العام المالي (2025/2026)، مع إمكانية بلوغ 4.6% في العام التالي..
كذلك تستند حكومة الانقلاب إلى ما أشار إليه صندوق النقد في تقريره الصادر في يوليو 2025 من أن مصر حققت تقدمًا ملحوظًا نحو الاستقرار الكلي، مع تحسن مؤشرات العجز المالي والتضخم وتراجع الضغوط على ميزان المدفوعات، رغم أنه شدد في نفس الوقت على أن التقدم في الإصلاحات الهيكلية ما زال جزئيًا، وأن الطريق لا يزال طويلاً أمام تعزيز دور القطاع الخاص وتقليص هيمنة دولة العسكر على النشاط الاقتصادي .
صدمات خارجية
الخبراء من جانبهم أكدوا أن الاقتصاد المصري ما زال عرضة للصدمات الخارجية، موضحين أن التحدي الأهم ليس في الأرقام، بل في كيفية انعكاسها على حياة المصريين. فالتضخم الذي التهم الدخول خلال العامين الماضيين ترك أثرًا عميقًا على الطبقات المتوسطة، التي فقدت كثيرًا من قدرتها الشرائية.
وقال الخبراء إن سوق العمل يعاني من بطء في خلق وظائف جديدة. مؤكدين أن المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر لا تملك القدرة على توظيف أعداد كبيرة أو تقديم رواتب مجزية. وفي ظل غياب توسع حقيقي في القطاعات الإنتاجية، تبقى فرص التشغيل محدودة، ما يزيد من اتساع الفجوة الاجتماعية.
وشددوا على أن هذه المعادلة تجعل أي حديث عن “تعافٍ اقتصادي” ناقصًا ما لم يُقترن بتعافٍ اجتماعي يعيد الثقة والقدرة الشرائية للفئات الأوسع من المواطنين.
وأوضح الخبراء أن اعتماد حكومة الانقلاب على تدفقات خارجية، سواء في شكل قروض أو استثمارات أو اتفاقات مع الصناديق السيادية الخليجية، قد يوفّر متنفسًا مرحليًا لكنه لا يُعدّ حلاً طويل الأمد. فالموارد الاستثنائية لا تبني اقتصادًا مستدامًا، بل تشتري وقتًا إضافيًا لإعادة ترتيب الأولويات. مطالبين بإصلاح هيكلي حقيقي في منظومة الضرائب والإدارة المالية، يهدف إلى توسيع القاعدة الضريبية وتحفيز الإنتاج لا الاستهلاك، مع ضبط الإنفاق وتوجيهه نحو القطاعات المنتجة مثل الصناعة والزراعة والتكنولوجيا.
صندوق النقد
حول الأوضاع الاقتصادية قالت الدكتورة تغريد بدر الدين، – مدرس الاقتصاد المساعد بكلية السياسة والاقتصاد-، جامعة بني سويف، إن ما يشهده الاقتصاد المصري في الوقت الراهن يمكن وصفه بمرحلة “تعافٍ حذر”، مؤكدة أن مؤشرات الأداء الكلي تُظهر تحسنًا ملموسًا في النمو والاستقرار النقدي، لكنها لا تزال بحاجة إلى دعم إصلاحي عميق لضمان استدامتها.
وأشارت تغريد بدرالدين فى تصريحات صحفية إلى أن التحسن فى معدل النمو يرجع إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية في البنية التحتية والطاقة، بالإضافة إلى تنفيذ برنامج إصلاح مالي ونقدي بقيمة 8 مليارات دولار بدعم من صندوق النقد الدولي.
وشددت على أن هذه المؤشرات لا تعني خروج الاقتصاد من دائرة الضغوط”، لكنها تشير إلى وجود استقرار نسبي بعد فترة تراجع حاد، لا سيما مع تحسن سعر الصرف واستعادة الثقة في أدوات الدين الحكومية وارتفاع احتياطي النقد الأجنبي موضحة أن صندوق النقد نفسه أشار في تقريره الصادر في يوليو 2025 إلى أن التقدم في الإصلاحات الهيكلية ما زال جزئيًا، وأن الطريق لا يزال طويلاً أمام تعزيز دور القطاع الخاص وتقليص هيمنة دولة العسكر على النشاط الاقتصادي .
الدين العام
وحذّرت تغريد بدرالدين من استمرار مخاطر الدين العام، مشيرة إلى أن التقديرات المحدثة لصندوق النقد تتوقع ارتفاع الدين الخارجي من 162.7 مليار دولار في (2024/2025) إلى أكثر من 200 مليار دولار بحلول 2030، مؤكدة أن هذا يتطلب ضبطًا ماليًا حقيقيًا وزيادة الإيرادات غير الضريبية لتفادي أعباء إضافية على الموازنة .
وأوضحت أن من بين التحديات المستمرة بيئة الاستثمار التي تعاني من البيروقراطية وعدم وضوح قواعد المنافسة رغم مزاعم حكومة الانقلاب عن إطلاق خريطة استثمارية جديدة وتوسيع مشاركة القطاع الخاص في مشروعات دولة العسكر .
ولفتت تغريد بدرالدين إلى أن التعافي الاقتصادي المزعوم من جانب حكومة الانقلاب غير متوازن ويعتمد بدرجة كبيرة على تدفقات رأس المال والإصلاحات المنتظرة .
دفعة مؤقتة
وقال أستاذ الاقتصاد السياسي الدكتور كريم العمدة إن الاقتصاد المصري يعيش في مرحلة استقرار بعد أزمة، أو كما يمكن تسميتها “مرحلة توقف النزيف” مشيرا إلى أنه اذا كان هذا الاقتصاد ينتقل خلال الفترة الماضية، من سيئ إلى أسوأ، فهو الآن قد توقف التدهور، ولم تعد في منحنى الانحدار الذي كنا عليه.
وأوضح العمدة في تصريحات صحفية أن التحسن النسبي الذى يشهده الاقتصاد ربما يأتي نتيجة الصفقات الاستثنائية التي تلجأ إليها دولة العسكر، وهي أدوات تُستخدم في أوقات الأزمات الاقتصادية الكبرى، عندما تتوقف الاستثمارات ويتعطل النشاط الاقتصادي. لافتا إلى أنه في أوقات الأزمات الحادة، لا يمكن انتظار تدفق الاستثمارات الأجنبية ، ولذلك نلجأ إلى حلول استثنائية لضخ سيولة عاجلة في الاقتصاد، حتى تعود الدورة الاقتصادية إلى التحرك مجددًا. لكن لا يمكن أن نعتمد على هذه الآليات بشكل دائم، فهي مجرد “دفعة مؤقتة” يجب أن تتبعها إصلاحات هيكلية حقيقية تعتمد على أدوات السوق والاستثمار والصناعة والإنتاج .
وأكد أن الازدهار الحقيقي يحتاج إلى استقرار طويل المدى يمتد لعشر سنوات من العمل المتواصل والنمو الحقيقي، وليس لعام واحد فقط. موضحًا إن ما يُقال عن أننا في حالة ازدهار غير دقيق ، لأن الازدهار لا يتحقق إلا بعد سنوات من الاستمرار في النمو.
وشبه العمدة ما يحدث الآن بالمريض الذى يخرج من غرفة الإنعاش، ويبدأ في التحرك والتحدث، لكنه لم يستعد عافيته بعد ليخوض سباقات أو يتحمل مجهودًا كبيرًا مشددا على أن التحسن الاقتصادي يتطلب سياسات نقدية ومالية رشيدة، وانتخاب برلمان قوي قادر على مراقبة حكومة الانقلاب ودعم الإصلاحات.
ولفت إلى أنه لا يمكن الحكم على المسار الاقتصادي قبل خمس سنوات على الأقل، أي بحلول عامي 2028 أو 2029. حينها فقط يمكن تقييم الأداء بناءً على زيادة القوة الشرائية للمواطنين، ونمو الصادرات بشكل واضح، وتحسن نسبتها إلى الواردات، وهذه هي المؤشرات التي يمكن من خلالها القول إن الاقتصاد المصري يتعافى بالفعل .
