تفاقم الحرب في السودان وسيطرة قوات الدعم السريع على أجزاء من المثلث الحدودي (ليبيا–مصر–السودان) يمثل تهديدا وجوديا لنظام العسكر بقيادة عبد الفتاح السيسي، بزعم أن هذه السيطرة ترفع مخاطر تسلل السلاح والمخدرات والبشر، وتخلق ضغوطًا أمنية ولوجستية متغيرة الإيقاع.
ورغم تحالف السيسي مع عيال زايد في الإمارات وخليفة حفتر في ليبيا وهما يساندان الدعم السريع، إلا أن السيسي يتحالف مع الجيش السوداني لأسباب غير معلومة .
كان وزير دفاع السيسي عبد المجيد صقر قد شارك في المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي الذي نفذته إحدى وحدات المنطقة الغربية العسكرية قبل أيام في حضور واسع للشخصيات العامة وشيوخ محافظة مرسى مطروح على الحدود الغربية مع ليبيا، وهو ما أثار تساؤلات حول المغزى منها في وقت ذهب فيه نظام السيسي نحو تعزيز تحركاته للتعامل مع منافذ تسلل الأسلحة عبر التعاون مع دولة تشاد والجزائر .
يشار إلى أن منطقة المثلث الحدودي تقع عند جبل العوينات على ارتفاع نحو ألفي متر فوق سطح البحر، وسط أمواج من رمال الصحراء الكبرى، في بيئة قاسية وجافة جداً، تغطي مساحة تزيد على 1500 كيلومتر، ولا يشكل الدعم السريع خطراً على السيسي في هذه المنطقة فقط، بل إن استخدام سلاح المسيرات واقترابها من الحدود المصرية يشكل عامل تهديد آخر، وخلال هذا الشهر أعلن الجيش السوداني تصديه لطائرات مسيّرة تابعة لـ"قوات الدعم السريع" حاولت استهداف مدينة مروي بالولاية الشمالية شمالي البلاد.
قوات الدعم السريع
في هذا السياق كشف مصدر عسكري مطلع، أن مشروع التدريب في المنطقة الغربية العسكرية كان في إطار تدريبات الجيش، وقبلها كان هناك تفتيش حرب لإحدى التشكيلات التكتيكية في المنطقة المركزية، وهي تستهدف رفع الكفاءة القتالية على جميع الجبهات، مشيرا إلى أن السيسي يرى أن هناك خطراً داهماً من المنطقة الغربية والجنوبية مع سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة المثلث الحدودي، وهو ما يتطلب تدابير أكثر دقة لحفظ الأمن القومي المصري من وجهة نظره.
وقال المصدر: إن "نظام السيسي يؤكد على جاهزيته في التعامل مع أي تهديد يأتي من الحدود الغربية أو الجنوبية مع اشتعال الحدود الشمالية الشرقية منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، لافتا إلى أن الاتجاه للتدريب على مشروع تكتيكي هجومي بالذخيرة الحية يؤكد أن الدخول في حرب مع أي مجموعات مسلحة تهدد الأمن القومي أمراً محسوماً في حال طالت التهديدات الحدود المصرية ".
وأشار إلى أن السيسي يزعم قدرته على تأمين الحدود الجنوبية، حال حدوث أي تهديد مباشر من قوات الدعم السريع، وأن لديه القدرة على الرد بقوة مع أي تهديد لها.
وأكد المصدر أن الحرب الداخلية في السودان تؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي المصري، وأن السيسي يدعم الجيش السوداني بشكل واضح، ويرفض أي انتهاكات من الدعم السريع، لافتاً لوجود مخاوف لدى عصابة العسكر من تطور الأوضاع في السودان إلى مرحلة المطالبة بالتقسيم، خصوصاً بعد سيطرة الدعم السريع على إقليم دارفور.
الحدود المصرية السودانية
وكشف مصدر عسكري أن سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة المثلث الحدودي تمكنها من السيطرة على طريق إمداد الأسلحة المهربة من ليبيا، والأخطر من ذلك أنها أضحت تسيطر على جزء بسيط من الحدود المصرية السودانية، مؤكدا أن تلك المنطقة الآن خارج سيطرة الجيش السوداني، ما يجعل هناك مخاوف مصرية من أن تبقى هذه المناطق منافذ لتهريب السلاح والمخدرات والبشر، خاصة وأن هذه المناطق تاريخياً معروفة بأنها توظف للاتجار بالبشر.
وأوضح المصدر أن الجيش السوداني حاول عدة مرات خلال الأيام الماضية شل تواجد الدعم السريع بمنطقة المثلث الحدودي عبر استخدام سلاح الطيران، لكن هذه المنطقة بحاجة لمواجهة مباشرة مع القوات الموجودة على الأرض في حين أن الأولوية الآن لمنع سقوط مناطق جديدة في ولاية كردفان باعتبار أنها تحاذي دارفور من الشرق ويشكل بقاء السيطرة عليها من جانب الجيش ضماناً لتأمين العاصمة الخرطوم، وهو ما يجعل جيش السيسي يكثف استعداداته للتعامل مع ما يراه أخطارا محتملة.
ولفت إلى أن هناك خطرا غير مباشر يحدق بعصابة العسكر جراء سيطرة الدعم السريع على المثلث الحدودي، موضحا أن الخطر يتمثل ذلك في أن العناصر التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي) أضحى لديها خط إمداد بالسلاح وهو ما يساهم في تقويتها، ويشكل تهديداً في تلك الحالة نتيجة عداء السيسي لقوات الدعم السريع ودعم الجيش السوداني الذي قد يجد نفسه في موقف ضعيف إذا لم يجد هناك دعماً قوياً في المقابل.
وأكد المصدر أن حميدتي لن يجرؤ على تهديد الأمن القومي المصري، ويدرك بأن ذلك له عواقب وخيمة، ولكنه سيعمل على إثارة الذعر بين المدنيين وإثارة حالة من الفوضى قرب الحدود المصرية، ويوظف تواجده في منطقة المثلث الحدودي لتحقيق أهداف سياسية على المدى البعيد، لافتاً إلى أن التعاون مع قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر يضع السيسي في مأزق مع حلفائه في ليبيا لكن ذلك لا يمنع من الاستعداد لأي تهديدات قد تترتب على سيولة تهريب الأسلحة وتسليح مزيد من الأفراد وإيجاد نقاط تواصل بين مجموعات مسلحة مختلفة.
قنبلة موقوتة
وشدد مصدر بحكومة الانقلاب مطلع على الملف، أن عصابة العسكر تتأثر سلباً بالاضطرابات المستمرة في ليبيا منذ ما يزيد عن عقد وكذلك استمرار الحرب في السودان والتي تدخل عامها الثالث وهو ما يترك تأثيراته على الحدود، معتبرا أن انتشار الميليشيات يعني تمويلًا خارجيًا، وبعضها محسوب على معسكر معادٍ للسيسي، مع ضغوط إثيوبية باتجاه منفذ على البحر الأحمر أو قاعدة عسكرية، ما يشي بإمكان اندلاع حروب بالوكالة.
وأشار المصدر إلى أن الأوضاع المتفاقمة فى السودان، تمثل قنبلة موقوتة يمكن انفجارها في أي لحظة، مما قد يغير ملامح المنطقة بأسرها، ومن المعروف أن أي ضعف في سيادة السودان سيُعرض الحدود الجنوبية لمصر لمخاطر أمنية مباشرة، ويزيد من احتمالية انتشار الفوضى، وتدفق السلاح وتهريب البشر وتنامي النشاط الإجرامي عبر الحدود، وهو ما يجعل سيطرة الدعم السريع على الفاشر وسقوط كامل إقليم دارفور بيدها ليس فقط انتصارا ميدانيا لقوات مدعومة خارجيا، بل يمثل تحولا استراتيجيا يعيد رسم خريطة النفوذ على حدود مصر الجنوبية.
وتوقع أن يستخدم نظام السيسي سلاح الردع من خلال التأكيد على قوته وقدرته على التعامل مع أي تهديدات من الحدود الغربية والجنوبية وذلك قبل أن تصبح حدود مصر الجنوبية أكثر هشاشة، والمثلث الحدودي قد يتحول لممر مفتوح للسلاح، والذهب، والجماعات المسلحة، لافتا إلى أن وجود كميات هائلة من الذهب بتلك المنطقة يمكن أن يُعيد إنتاج الجريمة المنظمة والإرهاب العابر للحدود، ما يشكل تهديدا مباشرا لأمن مصر بالصحراء الغربية والجنوبية وفق تعبيره .
ولفت المصدر إلى أن نظام السيسي لم يتحرك فقط باتجاه الاستعداد العسكري ولكن هناك تحركات دبلوماسية على اتجاهات مختلفة في مقدمتها تعزيز التعاون مع دولة تشاد وهي دولة ممر مهم لعبور الأسلحة إلى قوات الدعم السريع ولديها حدود مشتركة مع إقليم دارفور الواقع تحت سيطرتها، ولعبت دوراً مهماً في تغذية قواته منذ بدء الحرب.
