السيسي يطلب وضع خريطة لتطوير المنظومة الإعلامية وأجهزة أمن الانقلاب تواصل ملاحقة الصحفيين والقبض عليهم

- ‎فيتقارير

 

 

في الوقت الذي وجه فيه عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب الدموى زبانية العسكر بوضع خريطة لتطوير المنظومة الإعلامية، ودعم حرية التعبير تواصل أجهزة أمن الانقلاب ملاحقة الصحفيين والقبض عليهم، لتكشف عن مفارقة صارخة بين الخطاب الانقلابى والواقع . 

كانت الأسابيع الماضية، قد شهدت إُلقاء القبض على الصحفية صفاء الكرابيجي على خلفية منشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بينما اعتقل محمد طاهر الصحفي بجريدة الأخبار المسائي، صباح السبت الماضي إثر بلاغ مقدم ضده من أحمد خميس معاون وزير السياحة والآثار بحكومة الانقلاب ، والذي حمل رقم 7629 لسنة 2025 جنح العبور، في واقعتين أعادتا إلى الواجهة التساؤل حول حدود حرية التعبير وأمان المهنة في مصر، في لحظة يُفترض أنها لحظة “إصلاح إعلامي شامل”. 

 

لجان موازية

 

 في هذا السياق، قال الباحث الإعلامي بمؤسسة حرية الفكر والتعبير مصطفى شوقي، إن تشكيل لجنة لتطوير الأداء الإعلامي يمثل خطوة غير مفهومة ومثيرة للقلق، معتبرًا أنها افتئات واضح على صلاحيات الهيئات الدستورية المنظمة للإعلام، وهي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام. 

وأكد شوقي فى تصريحات صحفية أن وجود هذه اللجنة يعكس ارتباكًا في إدارة ملف الإعلام داخل دولة العسكر، موضحا أن تشكيل لجنة للقيام بهذه المهمة معناه: إما أن تكون هذه المؤسسات غير قادرة على أداء دورها بسبب مشكلات في صلاحياتها أو استقلاليتها، وفي هذه الحالة يجب إعادة النظر في تشكيلها، أو أن هناك رغبة في تجاوزها عبر لجان موازية تتدخل في مهامها وصلاحياتها، وهو ما يثير علامات استفهام حول الهدف الحقيقي من اللجنة الجديدة.

وأشار إلى أنه لا معنى للحديث عن تطوير الإعلام في ظل احتكار السوق الإعلامي، موضحًا أن تفكيك هذا الاحتكار هو الخطوة الأولى نحو تحرير الإعلام وتمكينه من أداء دوره المهني والرقابي باستقلالية. 

وكشف شوقى أن هناك عشرات المواقع الصحفية والإعلامية في مصر لم تحصل حتى الآن على تراخيص مزاولة النشاط بسبب”التعيينات الإدارية والأمنية المستمرة”، معتبرًا أن ذلك يُفقد أي حديث عن الإصلاح الإعلامي جديته ومصداقيته. 

وشدد على أنه لا يمكن الحديث عن تطوير الصحافة والإعلام بينما لا يزال هناك صحفي واحد محبوس بسبب عمله أو آرائه لافتا الى أنه لو أرادت اللجنة أن تترك أثرًا حقيقيًا يُذكر في التاريخ، فليكن هذا الأثر هو أن تساعد نقابة الصحفيين على أن تصبح مصر بلا صحفي واحد خلف القضبان . 

 

هندسة للمشهد الإعلامي

 

واعتبر الكاتب الصحفي هشام فؤاد أن ما يحدث في مشهد تطوير الإعلام هندسة للمشهد الإعلامي على غرار ما يحدث في الانتخابات النيابية. مؤكدا أن الأجهزة السيادية هي من تقرر عبر وسائل متعددة من ينجح، بل وتختار بعض المعارضين وتستبعد آخرين، ليظهر لنا مشهد يبدو وكأن هناك انتخابات وبرلمان ونواب، بينما الواقع يشير إلى أن سلطات الانقلاب هي من تمسك بزمام الأمور. 

وقال فؤاد فى تصريحات صحفية : على مستوى الإعلام، نرى شيئًا مشابهًا: فجأة تُصدر توجيهات من سلطات الانقلاب لتحرير الإعلام، وعلى الفور تقوم حكومة الانقلاب بتشكيل لجان، وينبثق عنها لجان للإصلاح، ومن أجل تجميل المشهد يُسمح لبعض الأصوات المعارضة بالظهور والعودة. لكن هل يعني هذا إصلاحًا حقيقيًا؟ بالطبع لا، لأسباب عدة: أولها أن  الصحافة يجب أن تكون مستقلة، ويتوجب عليها أن تتولى بنفسها اقتراح خطة الإصلاح دون تدخل حكومي . 

وأكد أن الإصلاح الحقيقي واضح، وهناك توصيات المؤتمرات العامة للصحفيين التي تلخص عملية الإصلاح في عنصرين أساسيين لا غنى عنهما: حرية الصحافة والصحفيين، وتحرير الصحفيين من الخوف على مستقبلهم عبر ضمان التعيين والأجر الكريم. 

وحذر فؤاد من أن عدم الاستماع إلى هذه المطالب، سيكون نتيجته استمرار حبس الصحفيين سنوات خلف القضبان بسبب آرائهم، واستمرار تجاهل تعيين المؤقتين في المؤسسات، بل وربما التخلص تدريجيًا من المؤسسات الصحفية الحكومية. 

وشدد على ضرورة أن تُشكّل الجماعة الصحفية مجموعات ضغط فاعلة للمطالبة بأكبر قدر ممكن من المكاسب للصحافة والصحفيين، مشيرًا إلى أنّ تحقيق أي تغيير حقيقي يتطلب ضغطًا جماعيًا من داخل المهنة نفسها.

وأعّرب عن شكوكه في وجود إرادة حقيقية للتخلّص من نظرية “الرأي الواحد”، مؤكدًا أن التحدي الأكبر يتمثل في أن يعود الإعلام إلى جمهوره، لا أن يبقى مجرد بوق للسلطات الانقلاب. 

 

الحبس الاحتياطي

 

واستبعدت إيمان عوف، مقرّرة لجنة الحريات بمجلس نقابة الصحفيين إمكانية تطوير الإعلام في ظل استمرار حبس الصحفيين، مطالبة ب            ضرورة التوقف الفوري عن اعتقال الصحفيين بسبب آرائهم، والسماح بوجود رأي ورأي آخر داخل المجال العام. وكشفت إيمان عوف فى تصريحات صحفية أن نقابة الصحفيين طالبت مرارًا بالإفراج عن الصحفيين المحبوسين احتياطيًا بضمان النقابة، بحيث تلتزم الأخيرة بحضورهم جلسات التحقيق كلما طُلب ذلك.

وقالت إن هذا الإجراء يمكن أن يكون بديلًا عادلًا وإنسانيًا عن الحبس الاحتياطي منتقدة أزمة الكفالات في قضايا النشر التى تفاقمت خلال الأشهر الأخيرة، حيث تراوحت مبالغ الكفالة بين 2000 و10 آلاف جنيه، ما يعد تطورًا جديدًا وخطيرًا، حيث أنه لا كفالة مالية في قضايا النشر ووفقًا للمبدأ المستقر، قضايا النشر يُفترض أن يُخلى سبيل الصحفي فيها بضمان نقابة الصحفيين، مع الالتزام بالحضور للتحقيق في أي وقت يُطلب منه ذلك، دون الحاجة إلى دفع كفالة مالية.

وأشارت إيمان عوف إلى أن التحفّظ على هاتف الصحفي محمد طاهر الذى اعتقلته سلطات الانقلاب مؤخرا واعتباره حرزًا في القضية يُعد تطوّرًا خطيرًا وغير مسبوق في التعامل مع الصحفيين، لما يمثّله من تهديد لسلامة وأمن مصادرهم، مؤكدة أن هذا الإجراء لم يكن مطبقًا في السابق في قضايا النشر أو التحقيقات الصحفية. 

وطالبت بضرورة تفعيل بدائل الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في تعديلات قانون الإجراءات الجنائية مشيرة إلى أن من بين هذه البدائل ضمان النقابات المهنية لأعضائها، بما يخفف المعاناة الإنسانية والاقتصادية عنهم وعن أسرهم، ويحفظ في الوقت ذاته حق دولة العسكر في المتابعة القانونية.