تشهد معدلات الجريمة تزايدًا مقلقًا داخل المجتمع المصري فى زمن الانقلاب، كما يلجأ المجرمون إلى أساليب حقيرة لتنفيذ جرائمهم، وهو ما يمثل مؤشرا خطيرا يهدد الأمن الاجتماعي .
فى هذا السياق جاءت جريمة طفل الإسماعيلية الذى قتل زميله وقطع جسده بالمنشار وألقاه فى مناطق متفرقة لتمثل امتدادا لجريمة سابقة فى الاسماعيلية حيث قتل شاب رجلا وحمل جثته وسار بها فى الشوارع وكذلك جريمة الأقصر التى هاجم فيها شاب في منتصف الثلاثينات من عمره جاره الخمسيني وقطع رأسه بمنتصف الشارع، ثم حملها وتجول بها بين المارة، وكذلك جرائم داخلية الانقلاب التى تقوم يوميا بحملات لتصفية بعض المواطنين تحت مسمى عناصر شديدة الخطورة دون كشف عن أسباب هذه التصفيات .
كانت محافظة الفيوم قد شهدت مقتل ضابط بأحد البنوك بنحو 10 رصاصات من أحد المتعاملين مع البنك لأسباب لم يُكشف عنها حتى الآن كما شهدت السنوات الماضية جرائم مروعة منها جريمة “سيدة فاقوس” التي أقدمت في عام 2023 على ذبح طفلها، وطهيه وتناول أجزاء منه، كذلك هزت جريمة ذبح الطالبة نيرة أشرف على يد زميلها أمام جامعة المنصورة الشارع المصرى.
وفي عام 2024 تصدرت قضية سفاح التجمع اهتمام المصريين، إذ ألقي القبض على شاب بعد قيامه بقتل ثلاث سيدات بطريقة وحشية بعد استدراجهن لمنزله .
تحديات مركبة
فى هذا السياق قالت المحامية بالنقض انتصار السعيد إن أسباب ازدياد وتيرة العنف في المجتمع المصري يمكن تلخيصها في عدة عوامل متداخلة، في مقدمتها التوترات الاقتصادية، مؤكدة أن تدهور الأوضاع الاقتصادية من تضخم وارتفاع الأسعار وزيادة معدلات البطالة، يعزز من مشاعر الإحباط والضغوط النفسية، مما يؤدي إلى تصاعد العنف كوسيلة للتنفيس عن الغضب. بالإضافة إلى ذلك يؤثر الفقر والظروف الاجتماعية الصعبة على تزايد الفجوة بين الطبقات الاجتماعية كما أن ضعف الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، يعمق الإحساس بعدم العدالة الاجتماعية ويزيد من السلوكيات العدوانية.
وأكدت انتصار السعيد فى تصريحات صحفية أن تراجع القيم المجتمعية، أدى إلى تغيرات في التركيبة الاجتماعية وانخفاض الوعي بالقيم الإنسانية والتسامح، زاد من انتشار السلوكيات العدوانية والعنف كجزء من سلوكيات الاحتجاج أو الدفاع عن النفس، إضافة إلى أن تعدد مصادر الأسلحة والمخدرات في بعض المناطق يجعل العنف أكثر شيوعًا، إذ تصبح الوسائل سهلة ومتاحة لتحقيق أهداف فردية أو جماعية .
وحذرت من أن المجتمع المصري في الوقت الحالي يواجه تحديات مركبة تتطلب تدخلات شاملة في مجالات التعليم، الاقتصاد، الأمن، والعدالة الاجتماعية للحد من ظاهرة العنف.
الأفلام والمسلسلات
وأرجع إخصائي الطب النفسي والأمراض العصبية وعلاج الإدمان عبد العظيم الخضراوي ازدياد العنف إلى عدة عوامل متداخلة، تشمل الضغوط النفسية المتزايدة، وشعور الفرد بأنه لا يستطيع الحصول على حقه إلا بالقوة، بالإضافة إلى بعض المفاهيم الثقافية التي تُمجّد العنف كشكل من أشكال البطولة.
وقال الخضراوى فى تصريحات صحفية : تُسهم الصورة النمطية للبطل في وسائل الإعلام، خاصةً في الأفلام والمسلسلات التي تُروّج للعنف، في تفاقم المشكلة، يُضاف إلى ذلك تعاطي المخدرات بأنواعها المختلفة، بدءًا من الحشيش وصولًا إلى الأنواع الحديثة كالأستروكس والشابو، الذي يُؤدّي إلى زيادة العنف إما بسبب تأثيرها النفسي أو الحاجة إلى المال لشرائها .
وأضاف : إلى جانب المخدرات، تتزايد وتيرة العنف مع تنامي مستوى الفقر، وتزايد أعداد الذين يعيشون تحت خط الفقر
المخدرات
وأكد مصطفى خضري باحث بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية أن المشاكل الاقتصادية التي تفاقمت بسبب سياسات الانقلاب الفاشلة على رأس مسببات ازدياد الجرائم، مشيرا إلى تدهور الحالة الأمنية واهتمام النظام بالأمن السياسي على حساب الأمن الجنائي.
وكشف خضري فى تصريحات صحفية عن انهيار المنظومة القانونية وتحول العدالة إلى عدالة انتقائية تحابي الأغنياء وذوي المناصب السياسية على حساب باقي المواطنين، معتبرا انتشار المخدرات ومغيبات العقل، من أهم أسباب ارتفاع معدلات الجريمة في مصر.
وأشار إلى أن المشاكل الاجتماعية وانعدام القيم الدينية أدت لتدهور مجتمعي شديد نتج عنه استباحة أفعال العنف، متوقعا حدوث ارتفاع مطرد في معدلات الجريمة باستمرار مسبباتها دون علاج .
وقال خضرى ان الجهات المسئولة عن الأمن والعدالة هي المنوط بها الحماية من الجريمة، لكنها تستغرق جهودها وإمكانياتها في تنفيذ الرغبات السياسية لنظام الانقلاب على حساب وظيفتها الأساسية التي حددها الدستور والقانون .
الفقر والقهر والظلم
واكد الأخصائي النفسي الدكتور محمد هاني، ان ارتفاع معدلات الجريمة يرتبط بشكل كبير بالظروف الاقتصادية والضغوط النفسية التي يتعرض لها المصريون نتيجة عوامل عديدة، منها الفقر والقهر والظلم، سواء على المستوى الأسري أو الاجتماعي .
وقال هانى فى تصريحات صحفية إن هناك عدة عوامل أخرى مثل الإدمان والتربية غير السوية تساهم في تنشئة أفراد غير أسوياء، ويعاني المجتمع من سلوكياتهم المضطربة التي تظهر بشكل كبير في سلوكياتهم والجرائم التي يرتكبونها.
الضغوط الاقتصادية
وقالت أستاذ علم الاجتماع والعلاقات الأسرية الدكتورة أمل رضوان، إن الجريمة في أي مجتمع ترتبط بظروف المجتمع نفسه، مشيرة إلى أن زيادة معدل الجرائم في المجتمع المصري ترتبط بظروفه وخصائصه وكذلك المتغيرات التي حدثت به.
وأوضحت أمل رضوان فى تصريحات صحفية أن من أهم أسباب انتشار الجرائم : ضعف الوازع الديني والفهم الخاطئ للدين، موضحة أن هناك الكثير من الأخطاء التي تحدث في التربية، التى تعد حجر الأساس في تشكيل الشخصية وتنشئتها تنشئة سوية بجانب غياب دور الآباء في التربية وانشغالهم بالحياة المادية ومحاولة توفير متطلبات الحياة وإهمال الإشباع العاطفي للأبناء.
وأكدت أن أخطاء التربية تقود إلى جيل منحرف معربة عن أسفها لغياب دور المدرسة في التوجيه والإرشاد ومواجهة ثقافة المجتمع التي تشجع على العنف والجريمة والموروثات الثقافية الخاطئة .
وأشارت أمل رضوان إلى أن "جرائم الثأر" ما زالت تحصد الأرواح بسبب عادات وتقاليد موروثة، بالإضافة إلى الإدمان، الذى يدفع المتعاطي إلى القتل والسرقة وارتكاب الجرائم، مشددة على أن الإدمان من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى زيادة معدلات الجريمة.
وأضافت : البطالة والفقر والجهل والضغوط الاقتصادية تلعب دوراً أساسياً في زيادة معدلات الجريمة موضحة أنه كلما ارتقى المستوى الثقافي والتعليمي في المجتمع قلت معدلات الجريمة، بينما انتشار الجهل وغياب الوعي يؤدي إلى زيادة معدلات الجريمة.
وشددت أمل رضوان على أن العنف في الدراما من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى ارتكاب الجرائم، مع غياب العدل والتعرض للظلم والقهر بالإضافة إلى الخلافات الأسرية المتعلقة أحياناً بالميراث وكذلك الطلاق الذي يؤدي إلى انهيار الأسرة وضياع الأبناء، ويترتب عليه العديد من المشاكل، كالتسرب من التعليم وأطفال الشوارع وتشوهات نفسية للأبناء ومن ثم زيادة معدلات الجريمة.
وطالبت بضرورة نشر روح السماحة والرحمة وقبول الآخر في المجتمع، والعمل على نسف العادات والتقاليد المتوارثة التي تخالف صحيح الدين، وأن يكون للمدرسة دور في التوجيه والإرشاد وتقديم القدوة للطلبة، مشددة على ضرورة تأهيل المقبلين على الزواج ليصبحوا آباء وأمهات قادرين على تنشئة جيل سوي وتوعيتهم بأسس التربية الصحيحة.
وأشارت أمل رضوان إلى ضرورة القضاء على البطالة والفقر وتحسين مستوى المعيشة والقضاء على ظاهرة أطفال الشوارع وإعادة دمجهم في المجتمع مرة أخرى، مع الارتقاء بالمستوى الفكري والثقافي للمجتمع، وتفعيل دور الرقابة على الإعلام والدراما وسن قوانين تحمي المرأة والأطفال من العنف الأسري.
