في زيارة تُعدّ مفصلية بعد غياب دام سبع سنوات عن العاصمة الأمريكية، استقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الثلاثاء، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في البيت الأبيض ضمن مراسم بروتوكولية لافتة عكست حرص الجانبين على إظهار متانة العلاقات الثنائية. فقد حظي ولي العهد باستقبال رسمي استثنائي، شمل إطلاق 21 طلقة مدفعية وتحليق ست طائرات حربية في أجواء البيت الأبيض، في مشهد بدا أقرب إلى رسالة سياسية موجهة نحو الداخل الأمريكي والإقليمي على حدّ سواء. وخلال اللقاء، برز ملف التطبيع مع إسرائيل بوصفه محوراً مركزياً في النقاشات. ففي تصريحات علنية أمام ترامب، أعرب ابن سلمان عن رغبة الرياض في "أن تكون جزءاً من اتفاقيات أبراهام"، مؤكداً في الوقت نفسه تمسك بلاده بـ"ضرورة الوصول إلى سبيل لتحقيق حل الدولتين". ويقرأ مراقبون هذا التصريح باعتباره إشارة إلى استعداد سعودي لمقاربة أكثر مرونة تجاه الملف، شرط أن تمنح واشنطن مقابلًا سياسياً يضمن للرياض أوراق قوة إقليمية. وفي سياق متصل، أعلن ترامب أن الولايات المتحدة ستبيع للسعودية مقاتلات "إف-35"، في إطار اتفاق مشابه لذلك المبرم مع إسرائيل، في خطوة تُعتبر جزءاً من حزمة الحوافز الأمنية التي تسعى واشنطن إلى توظيفها لدفع الرياض نحو مسار التطبيع. أما على المستوى النووي، فأكد ترامب وجود إمكانية لإبرام صفقة للطاقة النووية المدنية مع السعودية، ما يعزز المؤشرات حول تفاهمات استراتيجية أوسع يجري نقاشها خلف الأبواب المغلقة. وفي ما يتعلق بقضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، تبنى ترامب موقفاً يبرئ ولي العهد، قائلاً إن ابن سلمان "لم يكن يعلم شيئاً" عن الحادثة، في تناقض واضح مع تقديرات أجهزة الاستخبارات الأمريكية. وقدّم ترامب إشادة لافتة بالأمير، واصفاً إياه بأنه "صديق عزيز" يحظى "باحترام كبير"، في رسالة تبدو أقرب إلى محاولة إعادة ضبط السردية الأمريكية حول قيادة ابن سلمان. اقتصادياً، أعلن ترامب أن السعودية وافقت على استثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، فيما تعهد ابن سلمان برفع رقم الاستثمارات إلى تريليون دولار، وهو ما يراه محللون جزءاً من محاولة الرياض توظيف ثروتها السيادية لتعزيز موقعها في العلاقة مع إدارة ترامب، ولإرساء توازن بين التفاهمات السياسية والصفقات الاقتصادية. وتأتي هذه الزيارة، بمشهدها الاحتفالي ورسائلها متعددة الطبقات، في لحظة إقليمية حساسة، حيث يسعى كل من ترامب وابن سلمان إلى تعظيم مكاسبهما الاستراتيجية: الأول استعداداً لاستحقاقات سياسية داخلية، والثاني سعياً إلى تثبيت دور السعودية كلاعب محوري في معادلات الشرق الأوسط الجديدة، ولو عبر الانخراط بشروط محسوبة في معادلة التطبيع واتفاقيات أبراهام.
