انهيار العقارات لا يتوقف في عروس البحر المتوسط، هذه الظاهرة أصبحت في زمن الانقلاب أشبه بتقليد يومي في محافظة الإسكندرية ، حيث تحولت إلى مأساة متكررة ومسلسل لا يتوقف، وشهد العقد الأخير ارتفاعًا مقلقًا في وتيرة هذه الحوادث.
كانت المحافظة قد شهدت مؤخرا انهيار عقار قديم مكوّن من 4 طوابق، صادر له قرار هدم كلي لم يُنفذ، في منطقة اللبان بحي الجمرك ، دون وقوع إصابات بين السكان .
وكشف الفحص أن العقار، المأهول بالسكان، انهار بعد تصدعات ظهرت فجأة، لكن السكان نجوا بأعجوبة بعد إخلائه مباشرة قبل دقائق من انهياره بالكامل حتى سطح الأرض.
6 آلاف عقار
في هذا السياق كشفت البيانات الرسمية أن هناك أكثر من 6 آلاف عقار خطر وآيل للسقوط و160 عقارًا مائلًا، فضلًا عن 133 ألف قرار إزالة صادر ضد مبانٍ مخالفة، لم يتم تنفيذ الكثير منها لسنوات طويلة.
ورغم أن الأحياء تنفذ مئات القرارات سنويًا، إلا أن وتيرة المخالفات والتقاعس عن تنفيذ أوامر الترميم والهدم تظل أسرع؛ وإلى جانب ذلك، تلعب عوامل المناخ دورًا متزايد الخطورة، حيث يهدد تآكل الشواطئ وارتفاع منسوب المياه الجوفية نتيجة التغيرات البيئية وذوبان الجليد، أساسات المباني القريبة من البحر، مما يضيف بعدًا بيئيًا مُعقدًا للأزمة.
أزمة بالأرقام
وكشفت الإحصائيات والأرقام المتعلقة بحوادث انهيار العقارات والمباني الخطرة في الإسكندرية حجم الأزمة، مُشيرة إلى وجود تحدٍ كبير لا يقتصر على الانهيارات الفعلية فحسب، بل يمتد ليشمل عددًا هائلًا من العقارات المهددة بالسقوط والمخالفات الإنشائية.
فيما تتفاوت التقديرات الرسمية لأعداد العقارات التي تُصنف على أنها خطرة أو آيلة للسقوط، لكن جميعها يشير إلى وجود أعداد ضخمة تُشكل خطرًا داهماً على حياة السكان، حيث تشير بيانات مجلس وزراء الانقلاب إلى أن هناك 7,500 عقار تم حصرها كـ "آيلة للسقوط" وصدرت لها قرارات إزالة، حتى يوليو 2025.
وأكدت أن هناك 60,000 وحدة سكنية تحتاج إلى "تنكيس" (إصلاحات أو تدعيم جزئي) أو إصلاحات جزئية، مما يرفع إجمالي الوحدات المستهدفة بالتدخل إلى هذا العدد، وهناك 7,000 عقار من المباني مهدد بالانهيار نتيجة الإهمال والعوامل البيئية، وهناك 26,000 عقار بحسب تقديرات سابقة أشارت إلى وجود هذا العدد من العقارات القديمة والآيلة للسقوط في الأحياء العتيقة مثل اللبان وكرموز وغيط العنب.
وأشارت إلى أن حوادث انهيار العقارات، تكشف عن وقوع 231 حادثة من حوادث الانهيار الكلي أو الجزئي (شاملًا سقوط شرفة/سقف/جدران) في 7 أحياء بالإسكندرية، خلال الفترة من 1 يناير 2021 وحتى منتصف يوليو 2023 (عامان ونصف)، نتج عن هذه الانهيارات: 62 ضحية و 88 مصابًا ، كما سقط 43 عقارًا في فترة 16 شهرًا (حتى أبريل 2025) ، مما يدل على وتيرة متسارعة لحوادث الانهيار، كما وقعت 22 حادثة انهيار خلال النصف الأول من عام 2023 فقط، أسفرت عن مقتل 12 شخصًا وإصابة 14 آخرين.
الإدارات الهندسية
عن حوادث انهيار العقارات قال أستاذ الإدارة المحلية الدكتور حمدي عرفة: إن "أزمة انهيار العقارات لن تتوقف حتى يتم فتح ملفات فساد الإدارات الهندسية التابعة للإدارات المحلية على مستوى الجمهورية، مشيرا إلى أنه تم رصد ٣ ملايين و٢٤٠ ألف عقار مخالف خلال ٩ سنوات".
وشدد "عرفة" في تصريحات صحفية على ضرورة العمل على إعادة هيكلة الإدارات الهندسية، بداية من إيقاف نقل وإلغاء ندب حملة الدبلومات الفنية للإدارات الهندسية، محملا الإدارات المحلية المسؤولية كاملة عن زيادة البناء العشوائي والمخالف، في ظل غياب الرقابة والمتابعة اللازمة للعقارات المخالفة، وضرورة تطبيق القرارات الصادرة سواء بالإزالة أو بالترميم، وكذلك مواجهة تزايد الأدوار المخالفة.
وطالب بضرورة إعداد إستراتيجيات تنفيذية لتطوير عمل الإدارات المحلية منعا لانهيار عقارات جديدة، وكذلك لوقف زيادة العقارات المخالفة فضلا عن القضاء علي العشوائيات .
ودعا "عرفة" إلى ضرورة الإسراع في إقرار تعديلات قانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008، محذرا من أن تأخر تعديل القانون يؤدي إلى زيادة العقارات المخالفة بطريقة غير مباشرة.
صيانة العقارات
وقالت الدكتورة سهير حواس، أستاذ التصميم العمراني بكلية الهندسة جامعة القاهرة: إنه "من المؤكد أن هناك أسبابا أدت إلى انهيار العقارات، موضحة أن هذه الأسباب قد تكون بسبب التلاعب في العقارات، أو بسبب انهيار أحد الحوائط أو الأساسات التي يرتكز عليها العقار".
وأضافت "سهير حواس" في تصريحات صحفية : لكي ينهار مبنى يجب أن تنهار الحوائط الإنشائية أو الأساسات التي تحمل المبنى، ومن هنا يجب أن يكون هناك شرخ أو انهيار بجدار معين من الجدارات التي تحمل المبنى مما يدفعه للانهيار .
وأكدت أن المباني القديمة لا تنهار إلا لأسباب واضحة نظرا لان معظم العقارات القديمة تمتلك حوائط سميكة جدا وهي التي تحمل المبنى، مشيرة إلى أن الانهيار يحدث اما نتيجة انهيار في التربة أو انهيار في أحد الجدارات الأساسية، وهو ما تثبته التحقيقات في حوادث الانهيار.
وطالبت "سهير حواس" بضرورة المحافظة على صيانة العقارات بشكل دوري، مشددة على أن الصيانة هي التي تضمن الحفاظ على سلامة المباني القديمة وحمايتها من الانهيار.
