قال مراقبون إن تسليم المعارض الإماراتي جاسم الشامسي إلى سلطات بلاده سيكون كبوة كبرى للدولة السورية، وانكشافًا لوجهها أمام الرأي العام، وسيُسجل كجريمة سياسية وأخلاقية لا تُمحى، وذلك إن صحّت الأنباء، عن نية القيادة السورية، برئاسة أحمد الشرع، بتنفيذ هذا الأمر.
وتصاعدت المخاوف في الأوساط الحقوقية والسياسية بعد تداول أنباء تسليم الشامسي، الذي كرّس منصاته لنصرة الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، حيث يجد نفسه اليوم أمام مصير غامض، قد ينتهي إلى التعذيب أو التصفية، إن صحّت هذه الأخبار.
ووصلت معلومات إلى مركز (مناصرة معتقلي الإمارات) الحقوقي، عبر مصادر داخل سوريا، تشير إلى أن القرار اتخذ بالفعل، وهو ما يرفع مستوى القلق إلى حدٍّ خطير، ويجعل التدخل العاجل ضرورة قصوى لمنع انتهاك جسيم لا يمكن التراجع عنه. في حال تم التسليم، فإن ذلك يُعدّ سقوطًا مدويًا لآخر أوهام الطهرانية السياسية لدى بعض الإسلاميين الذين ما زالوا يراهنون على نقاء التجربة السورية الجديدة.
ردود الفعل جاءت متباينة؛ فهناك من يرى أن القضية تحولت إلى مادة للمزايدات الإعلامية، وأن بعض القنوات الحزبية والإخوانية تحاول استثمارها لممارسة "الأستاذية الفكرية" على الرئيس الشرع وتجربته الجهادية. بينما آخرون، مثل خالد السرتي، اعتبروا أن التسليم – لو حدث – سيكون بمثابة نزع ورقة التوت الأخيرة عن النظام السوري، وكشفًا لخسته أمام العالم.
ومن جانبه، وجّه الكاتب أحمد عبد العزيز، عضو الفريق الرئاسي للرئيس الشهيد محمد مرسي، رسالة مباشرة إلى الرئيس الشرع، محذرًا من أن استمرار احتجاز الشامسي أو تسليمه لمحمد بن زايد سيكون عارًا لا يُمحى. عبد العزيز استحضر تجربته الشخصية مع النظام الإماراتي، حين اختطف ابنه عام 2014 وتعرض للتعذيب، قبل أن يُنقل قسرًا إلى مصر في ظروف غامضة كادت تنتهي باغتياله. هذه الواقعة، بحسب عبد العزيز، دليل على أن مصير الشامسي قد يكون مشابهًا إن لم يتم إطلاق سراحه فورًا.
وأضاف أن القضية إذن ليست مجرد ملف فردي، بل اختبار حقيقي لمصداقية النظام السوري الجديد، ولقدرته على حماية المستجيرين به من بطش الأنظمة القمعية. بين لواء غدر وورقة توت، يقف أحمد الشرع أمام امتحان أخلاقي وسياسي عسير: هل يختار أن يكون ملاذًا للمعارضين، أم مجرد حلقة في سلسلة التواطؤ الإقليمي؟.
وأشار إلى أن مدعاة تحذيره؛ هو على خلفية ما يُتداول عن قيام الرئيس السوري أحمد الشرع بتسليم المعارض الإماراتي جاسم الشامسي، الذي كرس حياته لنصرة الثورة السورية في مواجهة طغيان بشار الأسد. إن صح ذلك، فالشامسي اليوم ينال جزاء سنمار، وتسقط آخر أوهام الطهرانية السياسية عند الإسلاميين.
وأوضح أن معلومات مركز مناصرة معتقلي الإمارات، عبر مصادر متعددة داخل سوريا وقريبة من دوائر صنع القرار، أن القيادة السورية اتخذت بالفعل قرارها بالمضي نحو تسليم الناشط الإماراتي جاسم راشد الشامسي إلى دولة الإمارات من شأنها أن ترفع بشكل خطير من مستوى القلق حول مصيره، وتجعل التدخل العاجل ضرورة قصوى لمنع حدوث انتهاك قد لا يمكن التراجع عنه.
وقال المعارض Khaled El Serty : "تسليم المعارض الإماراتى جاسم الشامسي – لو تم – لنزع ورقة التوت المتبقية عن سوءة النظام السورى … وإخفاءه الآن عار كبير .. ولا ادرى طبيعة من سيدافع عنه بعد ذلك او يجد مبررا لهذه الخسه".
وتوجهت رانيا ربيع برسالة مباشرة إلى الرئيس أحمد الشرع ووزير داخليته أنس خطاب، مؤكدة أن من رفض الضغوط الدولية بشأن ملف المهاجرين طوال عام كامل، وضمهم إلى الجيش السوري دون أن يسلم أحدًا لأي دولة، لن يقبل اليوم بتسليم مواطن مدني بريء.
و شددت على فيسبوك أن الإخفاء القسري جريمة عانى منها السوريون في عهد النظام السابق، وأن الثورة قامت لإنهاء هذا الظلم. وطالبت ببيان رسمي يوضح وضع الشامسي القانوني، أو على الأقل إبلاغ زوجته وأولاده بمكانه وطمأنتهم، مؤكدة أن اختفاء إنسان دون سبب لا يليق بسوريا الجديدة التي أسقطت صيدنايا وفتحت صفحة الحرية. متساءلة "أين جاسم الشامسي؟".
https://www.facebook.com/photo/?fbid=1120136076982749&set=a.106159745047059
أما الكاتبة الصحفي شيرين عرفة فوضعت القضية في سياق أوسع، مذكّرة بأن الثورة السورية منذ 2011 أنتجت أكبر موجة نزوح في التاريخ الحديث، ومع ذلك لم تسلم أي دولة أوروبية معارضًا لبشار الأسد. المفارقة، بحسبها، أن سوريا المحررة تشهد اليوم توقيفات وإخفاءات بحق معارضين، وآخرها قضية الشامسي الذي اختفى منذ أسبوعين مع استمرار صمت السلطات السورية. وحذرت من أن تسليمه للإمارات، المعروفة بانتهاكاتها الحقوقية، سيكون سقوطًا دينيًا وأخلاقيًا، ويضر بصورة النظام الجديد أمام شعبه والمنطقة.
https://www.facebook.com/photo/?fbid=853623823828389&set=a.257588296765281
المسألة الفقهية والقانونية
وعن الفقه والقانون بشأن تسليم شخص إلى دولة يُخشى أن تعذبه أو تقتله أوضح من الناحية الشرعية أ.د. فضل بن عبد الله مراد (أمين لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) أن: تسليم شخص إلى دولة أو جهة يُتيقن أو يُغلب على الظن أنها ستعذبه أو تقتله حرام شرعًا. وأنه يدخل ذلك في باب الإعانة على الظلم والقتل بغير حق، وهو من الكبائر. وأن النصوص الشرعية واضحة: "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"، و "من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله".
وذكر "فضل بن عبد الله مراد" نحو 17 بندًا تؤكد حرمة ذلك شرعًا وقانونًا. إليك ملخص هذه البنود:
تحريم الإعانة على الظلم: لا يجوز شرعًا المشاركة في ظلم أو قتل.
حفظ النفس المعصومة: النفس الإنسانية مصونة، ولا يجوز تعريضها للهلاك.
النهي عن التعاون على الإثم والعدوان: نص قرآني صريح يمنع ذلك.
حرمة التعذيب: التعذيب محرم شرعًا وقانونًا، وتسليم شخص لمن يعذبه مشاركة فيه.
قاعدة لا ضرر ولا ضرار: لا يجوز إلحاق الضرر بالإنسان.
مقصد الشريعة في حفظ النفس: أحد الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة لحمايتها.
الوفاء بالعهد والمواثيق الدولية: مخالفة الاتفاقيات الدولية خيانة للعهد.
حرمة الغدر: تسليم شخص لمن يبطش به يُعد غدرًا محرّمًا.
قاعدة دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح: لا يجوز التضحية بإنسان لمصلحة سياسية.
النهي عن إكراه الإنسان على ما يهلكه: الإكراه على تسليم نفسه ظلم مضاعف.
المسئولية الجماعية للحاكم: ولي الأمر مسئول عن حماية رعيته لا تسليمهم.
الحرمة المطلقة للقتل بغير حق: المشاركة فيه بأي صورة محرمة.
القاعدة الفقهية: ما أدى إلى الحرام فهو حرام: التسليم يؤدي إلى القتل أو التعذيب.
الوفاء بحقوق الإنسان: الشريعة تقر حقوق الإنسان الأساسية ومنها الحق في الحياة.
سد الذرائع: منع أي وسيلة تؤدي إلى ظلم أو قتل.
القاعدة الفقهية: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
المسئولية الأخلاقية والدينية: الأمة مسئولة أمام الله عن حماية المستضعفين.
من الناحية القانونية الدولية
وفي القانون الدولي لحقوق الإنسان (اتفاقية مناهضة التعذيب 1984) حيث تنص المادة 3 صراحة على أنه لا يجوز تسليم أو إعادة أو طرد أي شخص إلى دولة إذا كانت هناك أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب.
ويعتبر القانون الدولي الإنساني التسليم في هذه الحالة نوعًا من "الإعادة القسرية" (Refoulement)، وهو محظور.
ويأتي ذلك في وقت لا يزال فيه الشامسي مختفياً قسرياً منذ اعتقاله في 6 نوفمبر 2025، مع استمرار حرمان أسرته من معرفة مكانه أو وضعه القانوني، وغياب أي تواصل معه، ما يشكل انتهاكاً واضحاً للمعايير الدولية.
وأعلن (مركز مناصرة معتقلي الإمارات) 3 مطالب من السلطات السورية وهي وقف أي إجراءات قد تمهّد لتسليمه، ولكشف الفوري عن مكان احتجازه، وتوضيح الأساس القانوني لاستمرار احتجازه.
