رغم التحذيرات الدولية المتصاعدة بشأن فيروس «ماربورغ» النزفي شديد الخطورة، ورغم إعلان منظمة الصحة العالمية عن تفشٍّ واسع في إثيوبيا يتجاوز 300 إصابة و80 وفاة، فإن الحكومة المصرية — كعادتها في بدايات أي أزمة صحية — تظهر انشغالًا بإنكار وجود أي تهديد داخل البلاد أكثر من انشغالها بحماية صحة المواطنين.
إنكار رسمي… وشهادات تتسرّب من الميدان
فعلى الرغم من أن وزارة الصحة سارعت إلى إصدار تعليمات استباقية لتشديد إجراءات الحجر الصحي على القادمين من إثيوبيا، فإن مصادر من داخل مدارس بعدة محافظات تحدثت عن حالات اشتباه بين الطلاب ظهرت عليها أعراض شبيهة بأعراض الفيروس، دون أن تتحرك وزارتي الصحة أو التعليم لاتخاذ إجراءات جادة لحصر المخالطين أو وقف الدراسة في المدارس المتضررة.
وتداول أولياء أمور على منصات التواصل روايات عن فصول كاملة ظهر فيها «حمّى مرتفعة مفاجئة» بين الطلاب، فيما اكتفت الإدارات المدرسية — بحسب شهاداتهم — بنصح الأهالي بـ«متابعة الأطفال في المنزل» دون إعلان رسمِي أو شفافية حول حقيقة الموقف.
ويعكس هذا النهج، بحسب مراقبين، تكرارًا لنمط نظام السيسي في إدارة الأزمات الصحية، إذ سبق وأن لجأت الحكومة في الأسابيع الأولى لانتشار كورونا عام 2020 إلى سياسة الإنكار والتقليل، قبل أن تجد نفسها أمام موجة إصابات خرجت عن السيطرة.
علمًا بأن التعليمات الرسمية لا تزال محصورة على المنافذ فقط
التعليمات التي أرسلتها وزارة الصحة للحجر الصحي — رغم أهميتها — تبدو في نظر متخصصين «نصف خطوة»، لأنها تركّز فقط على ضبط الحدود، بينما لا توجد إجراءات داخلية موازية في المدارس أو المستشفيات أو المراكز الحكومية، رغم كونها نقاطًا شديدة الحساسية لانتشار العدوى.
التعليمات تضمنت:
فحص 100% من القادمين من إثيوبيا عبر المطارات والموانئ والمنافذ البرية.
عزل أي حالة مشتبهة فورًا ونقلها لمستشفيات الحميات.
تطهير شامل للعيادات وغرف العزل وصالات الركاب.
متابعة منزلية لمدة 21 يومًا لكل قادم من مناطق التفشي.
اعتبار نفايات الرحلات القادمة نفايات طبية خطرة.
لكن في المقابل، لم تُصدر الوزارتان (الصحة والتعليم) حتى الآن أي بروتوكول واضح لإدارة الموقف داخل المدارس أو الجامعات أو المرافق الحكومية، ما يفتح الباب — وفق محللين — أمام «سيناريو تكرار كارثة كورونا» عندما سبق انتشار الفيروس القرارات الرسمية بأشهر.
مراقبون: الدولة تتعامل مع الفيروس كقضية إعلامية لا كتهديد صحي
يرى باحثون في مجال الصحة العامة أن الخطاب الرسمي يركز على نفي وجود إصابات داخل البلاد بدلاً من التركيز على تعزيز الجاهزية الطبية، وترقية قدرات العزل، وتدريب الفرق الصحية، وتوفير أجهزة فحص سريعة في المحافظات.
ويضيف أحد الأطباء العاملين في مستشفى حكومي — فضّل عدم ذكر اسمه — أن «التعليمات الورقية شيء، والواقع شيء آخر. المستشفيات تعاني نقصًا في أدوات الحماية، ولا يوجد تدريب كافٍ على التعامل مع حالات نزفية شديدة الحساسية مثل ماربورغ».
ويرى مراقبون أن هذا التناقض بين البيانات الرسمية والواقع يعزز المخاوف من تكرار سياسة «التعتيم» التي لجأ إليها النظام سابقًا، تحسبًا لأي تأثيرات اقتصادية أو سياسية.
خلاصة
بين الإنكار الرسمي، وغياب الشفافية داخل المدارس، وظهور شهادات متزايدة عن أعراض مريبة بين الطلاب، يبدو أن نظام السيسي يعيد تدوير سيناريو الأوبئة السابق:
التقليل أولاً… ثم المفاجأة لاحقًا بعد خروج الأمور عن السيطرة.
وإلى أن تُصدر الحكومة بيانات موثوقة وتبدأ إجراءات واضحة داخل المؤسسات التعليمية والصحية، سيظل المصريون بين روايات تتسرب من الميدان، وإدارة رسمية تُفضّل تجميل الصورة على مواجهة الحقيقة.
