بعد الاعتداء على مُسن السويس..أصحاب شقق الإيجار القديم يطلبون الحماية

- ‎فيتقارير

 

تصاعدت الخلافات بين الملاك والمستأجرين، بسبب قانون الإيجار القديم الذي أقرته حكومة الانقلاب، وصدّق عليه عبدالفتاح السيسي ليهدد بذلك أكثر من 5 ملايين أسرة بالطرد والتشرد في الشوارع.

 العلاقة بين الملاك والمستأجرين تحولت إلى معارك مفتوحة، ملاك يطرقون الأبواب بعصبية، وسكان مسنون يختبئون خلفها في خوفٍ صامت بعضهم لجأ إلى المحاكم بحثا عن إنصافٍ ، وآخرون انتهى بهم الحال في أقسام الشرطة بعد مشادات واعتداءات وتهديدات صريحة لطرد المستأجر القديم بأي وسيلة.

 وهكذا أصبحت وحدات الإيجار القديم مصدر قلق لا ينتهي للسكان الذين قضوا كل عمرهم بين تلك الجدران، لكنهم باتوا فجأة غرباء في بيوتهم، ينامون على أصوات التهديد، ويستيقظون على هاجس الإخلاء وهم يصرخون الآن يطلبون الحماية لكن عصابة العسكر لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم.

 

كانت مواقع التواصل الاجتماعي قد تداولت فيديو صادم من محافظة السويس يوثق لحظة اعتداء مالك عقار على رجل مسن مريض بالقلب والسكر ويخضع لغسيل كلى، بعدما طالبه بترك شقته التي يقيم فيها وفق نظام الإيجار القديم .

المشهد وثقته ابنته التي حاولت الدفاع عنه وسط صرخاتها واستغاثاتها، بينما والدها يتعرض للضرب أمام عينيها، لحظة سقطت فيها الرحمة، وانكسرت فيها هيبة الكبار بمباركة من حكومة الانقلاب.

 

فين العدل؟

 

في هذا السياق قال عم حسن  سبعيني فقد زوجته منذ أعوام، وبقي وحيدا في شقة يسكنها بالسيدة زينب منذ أكثر من خمسين سنة بنظام الإيجار القديم ، من وأنا شاب وأنا هنا عمري ما قصرت في الإيجار ولا سببت مشكلة .

وأضاف : دلوقتي المالك بيقولي اطلع، بيقول الشقة محتاجها لابنه دي حياتي كلها هنا والله على جثتي أسيب بيتي، لو هموت هموت هنا.

 

وقال أشرف عبدالله، موظف على المعاش من عين شمس: "أنا اللي عامل للشقة كل حاجة من كهرباء وسباكة وسيراميك ونقاشة السنة اللي فاتت صرفت أكتر من 100 ألف جنيه علشان أعيش مرتاح فيها فجأة المالك يقولي سيب الشقة إحنا عايزينها، طيب فين العدل؟ .

وتساءل عبد الله : إزاي أسيب شقة أنا صرفت فيها كل اللي ورايا وقدّامي، المالك بعتلي شباب بيخبطوا على الباب وبيزعقوا، وقالوا لي لو ما مشيتش هنكسر الشقة فوق دماغك، وهددوني بالسلاح.

 

بيحاولوا يرعبونا

 

وقالت الحاجة فتحية التي تعيش مع زوجها وقد تجاوزا السبعين في شقة صغيرة بالدور الأرضي من عمارة قديمة في المنيل : إحنا الاثنين عاجزين، وربنا ما رزقناش بأولاد عشان حتى نتسند عليهم الشقة دي سترنا الوحيد كل يوم المالك يبعت حد يهددنا يقول لنا لازم تمشوا طب نروح فين؟ ننام فين؟

وأضافت : لو خرجنا، إحنا كده بنموت، مشيرة إلى أنهم بقوا يرشقوا الباب بالحجارة ويكسروا الجرس، بيحاولوا يرعبونا عشان نمشي إحنا كبار مش قادرين نتحمل كل دا.

 

هنام في الشارع

 

في أحد شوارع شبرا، تعيش أم ياسين، أرملة تجاوزت الأربعين، ترعى ثلاثة أطفال أيتام بعد وفاة زوجها فجأة. كانت حياتها صعبة لكنها مستقرة، فالشقة التي تعيش فيها منذ أكثر من عشرين عاما باسم حماها، الذى كان يساعدها ويقف بجانبها لكن بعد وفاته، تغير كل شيء، المالك بدأ يطرق بابها يوميا، يطلب منها ترك الشقة أو دفع إيجار جديد لا تقدر عليه.

قالت أم ياسين: أنا معنديش معاش ولا أي دخل، جوزي مات وساب لي 3 أيتام، والشقة دي هي الأمان الوحيد لينا بيقولوا لي ادفعي 2000 جنيه أو امشي، طب منين؟ لو خرجت أنا وولادي هنام في الشارع.

 

المالك بيهددني

 

وقالت أم رنا، أرملة خمسينية تعيش مع ابنتها المطلقة وحفيدها الصغير في مصر الجديدة : "كنت فاكرة إن المصايب خلصت بعد ما بنتي رجعتلي، لكن المالك كل يوم بيهددني، يقول لي يا تخرجي يا نرفع قضية .

وأضافت أم رنا : أنا مش قادرة أتحمل مصاريف الإيجار الجديد، ولا عندي بيت بديل، الشقة دي هب اللي لمت بنتي بعد طلاقها ولمت حفيدي، لو خرجنا هنتشرد كل اللي نفسي فيه إن يكون لي سقف أقدر أنام تحته من غير خوف.

 

تمليك مقنّع

 

من جانبه أكد المحامي أيمن محفوظ أن أزمة الإيجار القديم تمثل واحدة من أكثر القضايا الاجتماعية والقانونية تعقيدًا في مصر، مشيرًا إلى أن القانون الجديد كان من المفترض أن يعيد التوازن المفقود بين المالك والمستأجر بعد عقود من تطبيق تشريعات استثنائية حوّلت العلاقة من عقد إيجار إلى ما يشبه التمليك المقنّع.

وقال محفوظ في تصريحات صحفية: إن "قوانين الإيجار القديمة شوّهت طبيعة العلاقة القانونية بين الطرفين، إذ أصبحت الشقة المستأجرة تُعامل على أنها حق مكتسب يورَّث داخل الأسرة، ما أفقد المالك السيطرة على ملكه، في حين يرى المستأجر أنه أحق بالبقاء مدى الحياة".

وأضاف : هذا التشوّه التاريخي في العلاقة هو السبب الحقيقي لتفاقم الخلافات الحالية، إذ يشعر الملاك بالظلم بعد أن أصبحت ممتلكاتهم يستفيد منها آخرون دون مقابل عادل.

وأشار محفوظ إلى أن القانون القديم، رغم انتقاده اليوم، كان يمنح الملاك في الماضي بعض المزايا الاقتصادية، منها تخفيض أسعار مواد البناء أو حصولهم على مبالغ كبيرة آنذاك عند تحرير العقود، إلا أن التضخم وتدهور قيمة العملة جعلا تلك المزايا بلا قيمة تُذكر، فاشتعل الصراع من جديد.

 

الحل النهائي

 

وأكد أنه كان من الضروري قبل تطبيق القانون إطلاق حملات توعية قانونية شاملة للملاك والمستأجرين لتوضيح حقوقهم وواجباتهم، مشيرًا إلى أن غياب الوعي القانوني وافتقار بعض التصريحات الإعلامية للمسئولية والشفافية أسهما في تأجيج الصراع وإثارة البلبلة المجتمعية.

وفيما يتعلق بكيفية تعامل القانون مع الحالات التي يرفض فيها المستأجر إخلاء الوحدة رغم انتهاء المدة القانونية، أو رغبة المالك في استردادها، أوضح محفوظ أن القانون الجديد وضع مسارًا قانونيًا متصاعدًا لتجنب الفوضى ففي البداية، يُمنح الطرفان فرصة للتفاوض المباشر، أو اللجوء إلى لجنة حكومية مختصة بدور الوساطة لتقريب وجهات النظر دون أن يكون لقراراتها حجية قضائية. 

وتابع: في حال فشل التسوية، يكون اللجوء إلى القضاء هو الحل النهائي، حيث يصدر الحكم بالإخلاء، وتتولى جهات تنفيذ القانون تطبيق الحكم فورًا دون أي تدخل شخصي من المالك .

وأشار محفوظ إلى أن هذه الضوابط رغم كونها «مسكِّنات قانونية»، إلا أنها لا تعالج جذور التوتر بين الطرفين، محذرا من أن تطبيق القانون على أرض الواقع سيفتح الباب أمام خلافات اجتماعية حادة، ما لم تُتخذ إجراءات واقعية لاحتواء تلك الصدمات المجتمعية.

 

ثغرة تشريعية

 

وأكد أن قانون الإيجار القديم المستحدث لم يتضمن أي مواد استثنائية تحمي المسنين أو الأرامل من الإخلاء المباشر، معتبرا ذلك «ثغرة تشريعية» تستوجب التدخل العاجل .

 

وشدد محفوظ على أنه كان من الضروري أن يتضمن القانون نصوصًا آمرة توفر مُهلًا زمنية أو حلولًا بديلة قبل التنفيذ القسري، خاصة في الحالات الإنسانية الصعبة، مطالبا بتعديل القانون بما يضمن حماية تلك الفئات الضعيفة من آثار تطبيقه الحاد .

وقال: إن "العدالة لا تتحقق إلا عندما تراعي دولة العسكر البعد الاجتماعي إلى جانب النص القانوني، موضحا أن تحقيق التوازن بين المالك والمستأجر يتطلب تدخلًا عمليًا من دولة العسكر بآليات تنفيذ واقعية على الأرض .

وكشف محفوظ أن التخبط الحالي بين الطرفين أدى إلى رفع الكثير من القضايا والإنذارات حتى قبل دخول القانون حيز التنفيذ، مطالبا دولة العسكر بوضع نظام عادل لتوفير مساكن بديلة للفئات المتضررة، مع إعطاء أولوية للمستأجرين غير القادرين أو الذين لا يمتلكون وحدات سكنية أخرى، مع التأكد من عدالة توزيع تلك المساكن وعدم استغلالها كوسيلة ضغط أو مكسب شخصي للبعض.